للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مواقف عديدة، استئناسا بمكانته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يدركون أن من لوازم حسن الاتباع في دين الإسلام- محبة ما أحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم والحرص عليه، وبغض ما أبغضه رسول الله صلى الله عليه وسلم والبعد عنه؛ اهتماما بالصحبة، وتقربا إلى الله بمثل ذلك العمل، كما قال أنس بن مالك رضي الله عنه وأبو هريرة رضي الله عنه، في حديثين روياهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين (١)» أخرجه البخاري ومسلم والنسائي.

وإدراك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، جاء من تلك النظرة الشمولية التي تربت عليها نفوس صحابة رسول الله المتروية من منبع الرسالة الصافي، فاهتموا بكل أمر يهتم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقاسوا الأمور على ذلك المحك الإيماني الرفيع، حرصا واهتماما، واتباعا وحسن توجيه. .

فنراه رضي الله عنه، ينقاد وبطواعية وراحة نفس إلى الانضمام للجيش الذي عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم لواءه، وأمر عليه أسامة بن زيد رضي الله عنه، مع حداثة سنه، ولم يتأفف ابن الخطاب رضي الله عنه، مع جلالة قدره، ومع تقدم سنه ومكانته في الإسلام، قوة وسبقا. أعز الله الإسلام به، بل ولم يدر بخلده ولا جال في خواطر كثير من كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار أن يتمردوا على قائدهم الجديد؛ لأنهم انتقدوا بعض الناس الذين طعنوا في هذه الإمارة، والتي ما هي إلا طعن في أمر صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقد ذكره الكاندهلوي «أن القالة لما كثرت في ذلك، فسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعض ذلك القول فرده على من تكلم به، وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قد اشتكى فأخبره بقول من قال، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا، وقد عصب على رأسه بعصابة، وعليه قطيفة، ثم صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، أيها الناس، فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة؟. فوالله، لئن طعنتم في إمارتي أسامة، لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله، وايم الله، إن


(١) رواية أنس، أما رواية أبي هريرة- ففيها زيادة في بداية الحديث، والذي نفسي بيده، ورواها البخاري والنسائي.