للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حتى يومنا هذا، يعطون تلاميذهم، بعد أن يتموا حفظه على أيديهم، إجازة تتضمن سند التلقي، المتصل عنهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأن كثيرا من الأسانيد الصحيحة المتصلة مدونة، محفوظة في كتب القراءات، فما ينكر هذا إلا جاهل أو مكابر.

كذلك، إذا نظرنا إلى الأمصار الإسلامية- وجدنا أن كل مصر التزم قراءة قارئ بعينه، مع احتمال رسم المصحف لهذه القراءة، وأن القراء انتشروا في الأمصار ليعلموا الناس قراءة القرآن؛ إيمانا منهم بأن المصحف وحده لا يغني شيئا في مجال القراءة، وبخاصة أنه مجرد من النقط والشكل.

يقول الشيخ الزرقاني " لذلك اختار عثمان حفاظا يثق بهم، وأنفذهم إلى الأقطار الإسلامية، واعتبر هذه المصاحف أصولا ثواني، مبالغة في الأمر وتوثيقا للقرآن، ولجمع كلمة المسلمين فكان يرسل إلى كل إقليم مصحفه، مع من يوافق قراءته في الأكثر الأغلب، روي أن عثمان، رضي الله عنه، أمر زيد بن ثابت أن يقرئ بالمدني، وبعث عبد الله بن السائب مع المكي، والمغيرة بن شهاب مع الشامي، وأبا عبد الرحمن السلمي مع الكوفي، وعامر بن عبد القيس مع البصري (١).

فلو كان الاعتماد على المصحف؛ فلم كلف أمير المؤمنين نفسه بإرسال أولئك القراء إلى تلك الأمصار؟ وملاحظة أن اختيار القارئ كان مبنيا على موافقة قراءته لرسم المصحف المرسل إلى تلك البلد، وهذا يؤكد على أن دعامة قراءة القرآن هو التلقي والرواية.

وإذا كان للمستشرقين عذرهم في تعصبهم للباطل، وحقدهم الدفين ضد الإسلام ومبادئه، فما عذر من جاراهم من المسلمين، وقال بأن القراءات القرآنية منشؤها الخط العربي، حسب رسمها في المصحف العثماني؟، ومن هؤلاء الدكتور علي عبد الواحد وافي (٢)، وتبعه في ذلك الدكتور طه حسين في صورة


(١) المناهل ١/ ٩٦، ٣/ ٣٩٧.
(٢) كتابه فقه اللغة ص١١٩.