للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أكثر بشاعة، وأشد خطرا؛ إذ هو ينكر على المعتقد بشرعية القراءات، وأنها ليست من الوحي، وإنما مصدرها اللهجات واللغات؛ يقول: والحق أن ليست هذه القراءات السبع من الوحي في قليل ولا كثير، وليس منكرها كافرا ولا فاسقا، ولا مغتمزا في دينه، وإنما هي قراءات مصدرها اللهجات واختلافها (١)، وقد نهج الدكتور محمد عبد السلام كفافي نهج طه حسين، فيقول: " وهناك سبب قوي لظهور القراءات؛ لأن مصحف عثمان كتب بغير نقط ولا شكل (٢).

والحق، الذي لا يمارى فيه، أن القراءات سنة متبعة، نقلت بالرواية والمشافهة، من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي قرآن لا تنفك عنه، ولا هي مغايرة له، بل هي ألفاظ مختلفة نزل بها الروح الأمين بعرضات متعددة، ولم تكن القراءات وليدة خط أو رسم، أو عدم شكل وضبط لكتاب الله تعالى، ومن يقول بهذا- فهو ضال مضل، لسوء نيته وخبث قصده، سواء كان (جولد زيهر)، أو من سار على دربه، والذي يمعن النظر في كلام زيهر مثلا يجد له أبعادا وأهدافا يرمي من ورائها:

إن الأمة الإسلامية قد اعتمدت في أخذ كتاب ربها، على مثل ما اعتمد عليه غيرها من النقل من الصحف المكتوبة، والقراءة من الخط والرسم؛ فوقعت لذلك، وبسبب تجرد هذا الخط، من أول الأمر، من الشكل والنقط، في كثير من التحريف والتصحيف، في القرآن؛ حيث قرأها كل بحسب ما اتفق له من الفهم، وما رآه من صحة المعنى؛ يقول الدكتور عبد الفتاح شلبي: يظهر أن هؤلاء أجروا القرآن الكريم مجرى ما وقع من التصحيف، من كلام العرب شعرا أو نثرا، فقد صحف الفيض بن عبد الحميد، في حلقة يونس؛ إذ أنشد بيت ذي الإصبع:

عذير الحي من عدوا ... ن كانوا حية الأرض

فقال الفيض: كانوا جنة الأرض بالجيم والنون (٣).

وحدث قاسم بن إصبع قال: لما رحلت إلى المشرق نزلت القيروان


(١) الأدب الجاهلي ص ٩٦.
(٢) في علوم القرآن، دراسات ومحاضرات ص ١٠٧.
(٣) كتاب التصحيف للعسكري ص ١٣، وما بعدها.