للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأخذت عن بكر بن حماد، فقرأت عليه يوما حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قدم عليه قوم من مضر مجتابي النمار، فقال: " إنما هو مجتابي الثمار"، فقلت: إنما هو مجتابي النمار، هكذا قرأته على كل من لقيته بالأندلس والعراق. فقال لي: قم بنا إلى ذلك؛ لشيخ كان في المسجد، فإن له بمثل هذا علما، فقمنا إليه، وسألناه عن ذلك فقال: "إنما هو مجتابي النمار، وهم قوم كانوا يلبسون الثياب مشققة جيوبهم أمامهم " والنمار جمع نمرة (١).

" ولنا أن نتساءل: إذا كان العلماء، قد وقفوا بالمرصاد لما روى هؤلاء، وهم أئمة، فماذا ترى أن يكون موقفهم بجانب كتاب الله الكريم، والمصحفين فيه، وهم المدققون في روايته، وكانوا القوامين عليه، ومن حفظته، ثم هم الذين وقفوا جهودهم على سدانته " (٢) إن زيهر وأمثاله يعلمون أن القراءات ليست تصحيفا، وإنما هي قرآن، وجدت في زمن التشريع، ونزلت وانقطعت بنزول الوحي وانقطاعه، ولكنهم يقصدون شيئا آخر ندركه من كلام العالم اللاهوتي (أبيتر فيرتفلس): "من أن كل امرئ يطلب عقائده في هذا الكتاب المقدس، وكل امرئ يجد فيه على وجه الخصوص ما يطلبه)؛ فكل تيار فكري بارز، في التاريخ الإسلامي، زاول الاتجاه إلى تصحيح نفسه على النص المقدس، وإلى اتخاذ هذا سندا على موافقته للإسلام، بمطابقته لما جاء به الرسول، عليه الصلاة والسلام، وبهذا وحده كان عليه أن يدعي لنفسه مقاما وسط هذا النظام الديني، وأن يحتفظ بهذا المقام، وكلامه هذا ينطوي على أمرين فاضحين:

أولهما: أنه وصف الإنجيل بالقداسة، وساوى بينه وبين القرآن، وكل من يحترم العقل، ويعرف له حقه على العقلاء، يعرف أن بين القرآن وبين الإنجيل بونا عظيما وشأوا قصيا، في هذا المضمار؛ فالأناجيل حرفت وغيرت باعترافهم هم، وفي آخر صيحة للحق أن


(١) رسم المصحف والاحتجاج في القراءات، نقلا عن نفح الطيب ١/ ٣٤٥.
(٢) رسم المصحف والاحتجاج في القراءات، نقلا عن نفح الطيب ٢٤ - ٢٥.