للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بجهل عظيم، والسبب في نحو هذه الروايات قلة ضبط الرواة، والسبب في قلة الضبط قلة الدراية، ولا يضبط نحو هذا إلا أهل النحو (١).

إن موقف الزمخشري من القراءات القرآنية المخالفة في زعمه قواعد النحو العربية هو نفس موقف الطبري، إلا أنه سليط اللسان في التهكم، لا على القراءة وحدها، بل على القراء أنفسهم.

أما موقفه من القراءات القرآنية التي تحتمل معنى يراه جديرا بالقبول في طعنه، أو تفضيله، وترجيحه للقراءة التي تحمل المعنى الأقوى في نظره. وذلك في مثل موقف الطبري من قراءة "ملك يوم الدين ". غير أن الزمخشري يضيف بعدا جديدا لهذا الموقف أعني الترجيح لقوة المعنى في نظره. هذا البعد الجديد يتجلى في توجيهه للقراءة توجيها بلاغيا لولعه وعنايته، وهاك شيئا من مواقفه في هذا الجانب:

قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} (٢) قرأ ابن كثير وأبو عمرو البصري: " إن الله يدفع "، بفتح الياء والفاء وإسكان الدال من غير الألف، وقرأ الباقون يدافع بضم الياء وفتح الدال وألف بعدها مع كسر الفاء. يقول الزمخشري: " ومن قرأ يدافع فمعناه يبالغ في الدفع عنهم، كما يبالغ فيه؛ لأن فعل المغالب يجيء أقوى وأبلغ.

وليت الزمخشري يقف عند هذا الحد، في الترجيح بين القراءات المتواترة، فقد عمد إلى قراءة شاذة مخالفة للرسم القرآني، ورأى فيها بلاغة ما لم يره في المتواتر؛ ففي قوله تعالى: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} (٣)

قرأ الأعمش " إلا قليل" بالرفع، وهي قراءة لم تثبت، قال وهذا من ميلهم مع المعنى، والإعراض عن اللفظ جانبا، وهو باب جليل من علم العربية (٤) وقد لا يكون هناك أدنى مبرر للحكم بالقوة لقراءة دون قراءة، إلا


(١) الآية ٢٨٤ من سورة البقرة، وتفسيرها من الكشاف ١/ ٤٠٧.
(٢) سورة الحج الآية ٣٨
(٣) سورة البقرة الآية ٢٤٩
(٤) الآية ٢٤٩ من البقرة، وتفسيرها في الكشاف ١/ ٣٨١.