للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لاشتمالها على نكتة بلاغية، يلمحها فيها، كما في قوله تعالى: {ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} (١).

يقول: قرأ قتادة " كاشف الضر " على فاعل بمعنى فعل، وهو أقوى من كشف؛ لأن بناء المغالبة يدل على المبالغة.

وثالثة الأثافي: موقف الزمخشري من القراءات التي تخالف الرسم، والذي اختلفت عن موقف الطبري؛ إذ أن الطبري قد وقف موقفا واضحا وسليما من تلك القراءات التي تخالف الرسم أو الرسوم على حد تعبيره، فردها ردا قاطعا لعدم قرآنيتها، أما الزمخشري فقد أكثر من ذكر هذه القراءة، دون نقد أو رد، بل صرف عنايته لتوجيهها، ولعل هذا الفارق بين الطبري والزمخشري يعود إلى علم الأول بالقراءات، وجهل الثاني بها؛ إذ رماه أبو حيان بأنه ضعيف في هذا العلم، وهاك بعض الأمثلة:

قال تعالى: {أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} (٢) يقول: وقرئ، " أعجمي "، ولم يعقب على ذلك، بل اكتفى بشرح كلمة الأعجمي، بأنه الذي لا يفصح، ولا يفهم كلامه، من أي جنس كان.

وفي قوله تعالى: {لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ} (٣)، يقول: وقرأ أنس يجمزون، فسئل، فقال: يجمحون، ويجمزون ويشتدون واحد.

وفي قوله تعالى: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى} (٤) يقول: وقرأ زهير الفرقبي " أدنأ " بالهمزة من الدناءة، ولا شك أنها قراءة مخالفة للرسم، ولكن الزمخشري لا يعول على ذلك؛ إذ همه توجيه المعنى وسلامته، ولا يهمه بعد ذلك أن يعرفنا بالقارئ، ومدى اعتبار قراءة مثل هذا الشخص زهير الفرقبي، بل لا يذكر لنا من هو القارئ لقراءة في منتهى الشذوذ، وما أعجب كلامه


(١) سورة النحل الآية ٥٤
(٢) سورة فصلت الآية ٤٤
(٣) سورة التوبة الآية ٥٧
(٤) سورة البقرة الآية ٦١