للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجه القول بحصر الشفعة في الملك غير المقسوم فقال: ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة (١)» وروى ابن جريج عن الزهري، عن سعيد بن المسيب أو عن أبي سلمة أو عنهما قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إذا قسمت الأرض وحددت فلا شفعة (٢)» رواه أبو داود.

ولأن الشفعة تثبت في موضع الوفاق على خلاف الأصل لمعنى معدوم في محل النزاع فلا تثبت فيه، وبيان انتفاء المعنى هو أن الشريك ربما دخل عليه شريك فيتأذى به فتدعوه الحاجة إلى مقاسمته أو يطلب الداخل المقاسمة فيدخل الضرر على الشريك بنقص قيمة ملكه وما يحتاج إلى إحداثه من المرافق وهذا لا يوجد في المقسوم - إلى أن قال - إذا ثبت هذا فلا فرق بين كون الطريق مفرده أو مشتركة. قال أحمد في رواية ابن القاسم في رجل له أرض تشرب هي وأرض غيره من نهر واحد فلا شفعة له من أجل الشرب إذا وقعت الحدود فلا شفعة. اهـ (٣).

وقال البهوتي - رحمه الله -: ومن أرضه بجوار أرض لآخر ويشربان من نهر أو بئر واحدة فلا شفعة بذلك. اهـ (٤).

وذهب الحنفية: ومن وافقهم من أهل العلم إلى أن الشفعة تثبت للخليط في حق المبيع إذا لم يكن ثم من يحجبه عنه كوجود خليط في المبيع نفسه وذلك لما روى الحسن عن سمرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «جار الدار أحق بالدار (٥)» رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. وعن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «الجار أحق بداره ينتظر به إذا كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا (٦)» رواه الترمذي وقال حديث حسن. وقال الحافظ في البلوغ رواه أحمد والأربعة ورجاله ثقات. ولأن اتصال ملكه به يدوم ويتأبد فهو مظنة التضرر بالاختلاط في حقوق المبيع كالشركة. قال في الهداية في معرض توجيهه القول بثبوت الشفعة للخليط في حق المبيع ثم للجار ما نصه: ولنا ما روينا ولأن ملكه متصل بملك الدخيل اتصال تأبيد وقرار فيثبت له حق الشفعة عند وجود المعاوضة بالمال اعتبارا بمورد الشرع. وهذا لأن الاتصال على هذه الصفة إنما انتصب سببا فيه لدفع ضرر الجوار إذ هو مادة المضار على ما عرف وقطع هذه المادة بتملك الأصل أولى. اهـ (٧).

- وقد قال بثبوت الشفعة بالشركة في مصالح العقار بعض الحنابلة واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وصاحب الفائق وهو اختيار الحارثي. قال أبو الحسن المرداوي: وهو ظاهر كلام الإمام أحمد - رحمه الله - في رواية أبي طالب وقد سأله عن الشفعة. فقال إذا كان طريقهما واحدا لم يقتسموا فإذا صرفت الطرق وعرفت الحدود فلا شفعة وهذا هو الذي اختاره الحارثي. . . وذكر ظاهر كلام الإمام أحمد المتقدم


(١) سنن النسائي البيوع (٤٧٠٤)، سنن أبو داود البيوع (٣٥١٤)، سنن ابن ماجه الأحكام (٢٤٩٩)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٢٩٦)، موطأ مالك الشفعة (١٤٢٠).
(٢) سنن أبو داود البيوع (٣٥١٥)، سنن ابن ماجه الأحكام (٢٤٩٧).
(٣) المغني ج٥ ص٢٥٦ - ٢٥٧.
(٤) شرح المنتهى ج٢ ص٤٣٤ - ٤٣٥.
(٥) سنن الترمذي الأحكام (١٣٦٨)، سنن أبو داود البيوع (٣٥١٧)، مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٨).
(٦) سنن الترمذي الأحكام (١٣٦٩)، سنن أبو داود البيوع (٣٥١٨)، سنن ابن ماجه الأحكام (٢٤٩٤)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٣٠٣)، سنن الدارمي البيوع (٢٦٢٧).
(٧) الهداية ج٤ ص٢٤ - ٢٥.