للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتأويلهم ذلك ضلال مبين وكفر صريح وقولهم بتقمص الأرواح للأبدان على ما سبق بيانه محض خرص وتخمين لا أساس له من الصحة ولا مستند له من عقل ولا نقل ودعواهم أن القرآن دل على ذلك كذب وافتراء، فإن معنى قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} (١) الآية، كنتم أمواتا قبل أن يصوركم الله في الأرحام وينفخ فيكم الروح فأحياكم سبحانه بنفخ الروح فيكم ثم يميتكم بقبض أرواحكم عند انتهاء آجالكم في الدنيا ثم يحييكم يوم البعث والنشور للحساب والجزاء، هذا هو معنى الآية الصريح في لغة العرب التي بها نزل القرآن وشرحته السنة الصحيحة وليس فيها دلالة على أن الروح إذا خرجت من إنسان عند موته تحل في بدن آخر ليكون مخلوقا يحيا في هذه الدنيا، وهذا القول في تفسير آية {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} (٢) فمعناها من الأرض خلقناكم فكنتم أحياء في الدنيا وإلى الأرض تعودون فتقبرون فيها عند موتكم ومنها نخرجكم أحياء عند البعث والنشور وتفسير الآيتين بما زعموه من تناسخ الأرواح تفسير بالهوى وتحريف لها عما لا يدلان عليه في لغة العرب ومخالف لصريح آيات القرآن والأحاديث الصحيحة المتواترة في بيان معناهما ولإجماع أهل العلم والإيمان.

أما الحديث الذي ذكروه فليس في ديوان من دواوين السنة المعروفة ووجود طبقات كافرة في فترات من العصور دليل على كذبه فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتنقل في أصلاب آباء مؤمنين وأرحام نساء مؤمنات في كل طبقات أجداده، بل كان بعضهم مؤمنا كإبراهيم وإسماعيل، وبعضهم كان كافرا، فالحديث موضوع مفترى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما قوله تعالى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} (٣) فهو خبر صريح عن أهل النار من الكفار وبيان لاستمرار عذابهم فيها يوم القيامة وليس فيه دلالة من قريب ولا من بعيد على أن الروح إذا خرجت من بدن عند الموت في الدنيا تقمصت بدنا آخر ليكون حبسا وعذابا لها فتفسيرها بذلك تحريف لها عن موضعها وتلاعب بنصوص القرآن.


(١) سورة البقرة الآية ٢٨
(٢) سورة طه الآية ٥٥
(٣) سورة النساء الآية ٥٦