للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال أيضا: وخرج بعضهم الخلاف في هذه المسألة على الخلاف في الهبة، هل تملك بالقبض أو قبله؟ فإذا علمت أقوال أهل العلم في هذه المسألة وما استدل به كل فريق منهم فاعلم أن الذي يظهر لي في هذه المسألة والله تعالى أعلم: أن إخلاف الوعد لا يجوز لكونه من علامات المنافقين، ولأن الله يقول: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (١) وظاهر عمومه يشمل إخلاف الوعد ولكن الواعد إذا امتنع من إنجاز الوعد لا يحكم عليه به ولا يلزم به جبرا بل يؤمر به ولا يجبر عليه لأن أكثر علماء الأمة على أنه لا يجبر على الوفاء به لأنه وعد بمعروف محض والعلم عند الله تعالى (٢) اهـ.

٤ - وقال ابن العربي في أحكام القرآن على قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} (٣) ما نصه: فإن من التزم شيئا لزمه شرعا. . . والملتزم على قسمين أحدهما النذر وهو على قسمين، نذر تقرب مبتدأ كقوله لله علي صوم وصلاة وصدقة ونحوه من القرب فهذا يلزمه الوفاء به إجماعا. ونذر مباح هو ما علق بشرط رغبة كقوله: إن قدم غائبي فعلي صدقة أو علق بشرط رهبة كقوله: إن كفاني الله شر كذا فعلي صدقة فاختلف العلماء فيه فقال مالك وأبو حنيفة يلزمه الوفاء به وقال الشافعي في أحد قوليه: لا يلزمه الوفاء به وعموم الآية حجة لنا لأنها بمطلقها تتضمن ذم من قال ما لا يفعله على أي وجه كان من مطلق أو مقيد بشرط. وقد قال أصحابه إن النذر إنما يكون بما القصد منه القربة مما هو من جنس القربة وهذا وإن كان من جنس القربة إلا أنه لم يقصد به القربة وإنما قصد منع نفسه من فعل أو الإقدام على فعل، قلنا القرب الشرعية مقتضيات وكلف وإن كانت قربات. وهذا تكلف في التزام هذه القربة مشقة لجلب نفع أو دفع ضر، فلم يخرج عن سنن التكليف ولا زال عن قصد التقرب. . . . فإن كان القول منه وعدا فلا يخلو إما أن يكون منوطا بسبب كقوله: إن تزوجت أعنتك بدينار أو ابتعت حاجة كذا أعطيتك كذا فهذا لازم إجماعا من الفقهاء وإن كان


(١) سورة الصف الآية ٣
(٢) (١) أضواء البيان ج٤، ص ٣٠٠ - ٣٠٥.
(٣) سورة الصف الآية ٢