للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أو موانئ أو سفنا أو طائرات مما يستعمل في الدفاع عن البلاد مما عد لذلك، أو نقل إليه أخبارا أو أرشده أو حرض الجنود على الانضمام إليه أو أثار الفتن والشائعات أو نحو ذلك.

فقانون القرن العشرين صريح في إدانة بني قريظة حيث ارتكبوا جميع ما تستحق جريمة واحدة منه الإعدام وسنعرض لخيانتهم بالتفصيل، حين نوجز سيرة سعد ليعلم القارئ المنصف كم تجنى عليه أعداء الإسلام إذ وصفوه بالوحشية والقسوة والغدر، وكم تنكب بعض رجالنا من القانونيين سبيل الإنصاف حين زعموا أن حكمه القضائي لا يوائم أحكام القرن العشرين، وقد فاتهم أن يحيطوا بالقضية من أطرافها ليروا شططهم البعيد، أما الرجل فبطل صادق ومسلم صريح. . وسنكتفي من تاريخه الرائع بما كان منه بعد أن أشرق في قلبه نور الإسلام، فبلغ به الخطوة السعيدة ودخل منه أبهاء التاريخ.

لم يعتنق سعد الإسلام عفوا ولكنه فكر وقدر، وحاور وجادل وقد عارض في اعتناقه قبل أن يدرك حقيقته، مثله في ذلك مثل الفاروق عمر سواء بسواء - وحين أشرق الإيمان على روحه شعر كأنه انتقل إلى أوج زاهر مشرق ينأى به عن ظلمات الوثنية وحنادس الشرك، وقاد قومه إلى المجد التالد والعز الأبدي، فأصبح الأوس في المدينة يسالمون إخوانهم الخزرج، وكلهم فرح بالقرآن مبتهج بمحمد مؤاخ للمهاجرين، معاهد ربه على أن يحمي الدعوة الجديدة بروحه ودمه، قد صدق الأنصار ما عاهدوا الله عليه، فكانوا درع الإسلام وحصنه الركين.

وجاء الامتحان الأول في بدر، فقد خرجت قريش بجموعها الكثيفة لتدرك طائفة تظنها مستضعفة ذليلة وقد نفخ الغرور أوداج المشركين فتساقوا الخمور ودقوا الطبول وشرعوا الأسنة، وإن الثقة لتملأ نفوسهم فتريهم مصارع المسلمين قبل أن يبرحوا أمكنتهم وتقللهم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا، وقد أخذ رسول الله الأهبة وجمع أنصاره حوله يتشاورون فيما يواجهون به القوم من قوة وعتاد، وقد شع الإيمان القوي على لسان سعد حين أعلن للرسول استعداد الأنصار للجهاد في سبيل الله دون تباطؤ أو تخاذل وأرسل كلمة مؤمنة لا تزال تجلجل في أذن التاريخ فتعرض بطولة هذا الفدائي المؤمن الذي تهتف جوارحه من أعماقه (امض بنا يا رسول الله حيث تريد فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا، إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء) (١) وكانت هذه الصيحة الخالدة كفيلة بتوجيه الأنصار إلى الجهاد وإذكاء الحمية المؤمنة في القلوب وواضح أن معاهدتهم مع رسول الله حين قدم إلى المدينة لم تكن تحتم عليهم أن يحاربوا معه أعداءه خارج يثرب ولكنها توجب الدفاع عنه في نطاقها إذا تعرض لمن يغزوه بين ديارهم، فجاءت كلمة سعد شرطا آخر يجيز لمحمد - صلى الله عليه وسلم - أن يلقى خصومه في أي ميدان يريد. ولو كان الأنصار وعلى رأسهم سعد ممن يترددون في الإيمان لحظة واحدة لأقصروا عن متابعة الرسول متعللين بما أخذوا به أنفسهم من شروط، ولكن الإخلاص للمبدأ والتفاني في


(١) السيرة النبوية للحافظ ابن كثير جـ ٢ ص ٣٩٢ ط ١٩٦٥ م.