للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للجندي المخلص وإعزاز لمن يتمسكون بالحق من الأباة المناضلين، ثم هو في الوقت نفسه مثل رفيع للقادة الذين يتطلعون إلى النصر في أحرج أوقاتهم إذ عليهم أن يتدبروا الأمور فلا ينفردوا بأمر دون استشارة وتمحيص فتتحد الكلمة وتتجمع القلوب.

وقد انجلت الغواشي الحالكة عن المسلمين بسلام، وعادوا إلى المدينة ظافرين بعد أن أظهر الله نعمته على عباده بالظفر والانتصار، وقد أصيب سعد أثناء المعركة بسهم حاد هز من كيانه وزعزع بأسه فحمل إلى خيمة قريبة ليسعف بالعلاج وكان إذا ضعضعه الألم يصيح داعيا: اللهم لا تمتني حتى أشتفي من بني قريظة، إذ أن هؤلاء الغادرين قد آسفوه بخيانتهم الأثيمة، فما راعوا إلا ولا ذمة، وكان سعد مع قومه من الأوس قد شفع لديهم بادئ ذي بدء ليرجعوا عن غدرهم الفاضح، فما راقبوا الله في حلف أو ميثاق، حتى إذا انكشفت الغمة قبعوا في حصونهم يترقبون ما تتمخض عنه الحوادث، وطبيعي أن يعجل المسلمون بعقاب هؤلاء الخونة عقابا رادعا، فاتجهوا إليهم على الفور وحاصروهم في ديارهم خمسا وعشرين ليلة أججت القلق والحسرة في ضلوعهم فعرضوا شروطا للجلاء كما فعل بنو قينقاع، وأملوا أن يتقبلها الرسول بقبول حسن، وقد اتجهت أنظارهم إلى حلفائهم من الأوس ليكونوا شفعاءهم لدى محمد ورسول الله يدرك نفسيات قومه فيضع الشيء في موضعه إذ يختار سعد بن معاذ ليكون فيصلا قاطعا ينزل الفريقان على رأيه وسعد من هو شدة حمية وقوة إيمان، وقد قدر الموقف تقدير من شاهد كروبه ومآزقه وعرف النذر المستطيرة التي تراءت في الأفق فأوشكت أن تطيح بالعصبة المؤمنة لولا عناية الله بالرياح الثائرة، وقد هم بعض أصحابه يزينون له الإحسان في مواليه ويجنحون به إلى السلام والفداء فماذا فعل عند ذاك؟ لقد حكم بأن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى الذراري والنساء، وأمر الرسول بتنفيذ الحكم، فخندق الخنادق لدى سوق المدينة ثم أخرج اليهود أرسالا إليها طائفة بعد طائفة فضربت أعناقهم ولاقوا أسوأ مصير على أفظع خيانة توجه إلى معاهد مسالم يأمن حلفاءه فيأتيه الروع في مأمنه الحصين.

وقد كانت صرامة هذه العقوبة مدعاة للتقول على الإسلام دون عدالة وإنصاف فالمسلمون لم يتجنوا على بني قريظة باستئصالهم المبيد.

لأنهم متهمون بالخيانة العظمى.

وقد ثبتت تهمتهم ثبوتا قامت دلائله وفدحت نتائجه، وهذه الخيانة الخطيرة ليس لها في جميع الشرائع غير الإعدام السريع ولم يكن اليهود أسرى حرب فيميل بهم إلى الشفقة، ولكنهم شر من الأعداء إذ بيتوا الغدر لأناس يأمنونهم ويخصونهم بحقوق الجار، وواجبات الذمام. وموقفهم هنا يختلف اختلافا واضحا عن موقف بني قينقاع وبني النضير فالأولون قد أبدوا البغضاء