للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان حين يرى (حليمة) المرضعة. . يتلقاها هاتفا: " أمي أمي ". . ويفرش لها رداءه ويمس ثدييها بيديه. كأنه يتذكر فيها غضارة العمر، وبواكير الحياة. .

وحين تجيش في صدره الذكرى يجمجم: «لو أدركت والدي أو أحدهما وأنا في صلاة العشاء وقد قرأت فاتحة الكتاب. . تنادي يا محمد. . لأجبتها: لبيك». .).

سأله صحابي: «من أحق الناس بحسن صحابتي يا رسول الله؟ قال: " أمك ". . قال: ثم من؟ قال: " أمك ". . قال: ثم من؟ قال: " أمك ". . قال: ثم من؟ قال: " أبوك (١)»

وجاءه رجل يقول: «يا رسول الله، إن لي أما عجوزا أحملها على عاتقي كل يوم وأطوف بها حول البيت. أفأكون بذلك وفيتها حقها؟ فيقول له النبي: " لا. . ولا بزفرة واحدة. . إنها حملتك وهي ترجو حياتك. . وأنت حملتها. . وتنتظر رحيلها»!.

«وحين يستأذنه رجل في الجهاد يسأله النبي: " أحية أمك؟ " فيقول الرجل: نعم. . فيقول له: " اذهب فجاهد في برها ". . فيعاود الرجل الإلحاح فيقول له النبي: " ويحك. . الزم رجلها فثم الجنة (٢)».

وتروي لنا أسماء بنت أبي بكر فتقول: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستفتيته قلت: «قدمت على أمي وهي راغبة. أفأصلها؟ قال: نعم. . صلي أمك يا أسماء (٣)»

ويحذر النبي من تعريض الأمومة للون من ألوان الهوان. . أو المهاترة. . أو السباب. . فيقول: «إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه " قيل: وهل يلعن الرجل والديه يا رسول الله؟ قال: " نعم. . يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه (٤)»! ".

وهكذا نجد أن الأمومة قد استوعبت في حديث النبي كل هذه الأبعاد المترامية، مما يؤكد لنا أن لها في أعماقه. . وتعاليمه جميعا. . مكانا يشبه الواحة الخضراء. . تتموج فيه الظلال المرهفة. . وتتناغى على حوافيها الزهور الوادعة. . وتأتلق في كل أرجائها روح الربيع الأخضر الجذلان.

وهكذا يسلمنا النبي مفاتيح البر بهذه الأمومة البرة. . حتى لا نستحيل في حياتنا الصاخبة إلى قطيع ذاهل منكود. . لا تربطه إلى أعماق حياته الواثبة وشيجة من عاطفة ولا سبب من أسباب البنوة البيضاء. . ولكن. . إذا كانت هذه مضامين الهتافات العالية الجريئة التي أطلقها محمد رسول الله في طريقه إلى دعم مكانة الأمومة، وتكريم دورها الخطير. . فما هي رسالة الأمومة في الحياة؟


(١) صحيح البخاري الأدب (٥٩٧١)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (٢٥٤٨)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٣٩١).
(٢) سنن النسائي الجهاد (٣١٠٤)، سنن ابن ماجه الجهاد (٢٧٨١).
(٣) صحيح البخاري الهبة وفضلها والتحريض عليها (٢٦٢٠)، صحيح مسلم الزكاة (١٠٠٣)، سنن أبو داود الزكاة (١٦٦٨)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٣٥٥).
(٤) صحيح البخاري الأدب (٥٩٧٣)، صحيح مسلم الإيمان (٩٠)، سنن الترمذي البر والصلة (١٩٠٢)، سنن أبو داود الأدب (٥١٤١)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٢١٦).