وهكذا فقد كان لاستغلال الفرص والمبادرات فيها أكبر الأثر على الصحابة - رضي الله عنهم - وعلى من بعدهم - كما مر -.
خامسا - السبق أو المبادرة إلى الخيرات يلائم الفطرة:
فالإكثار من هذه المبادرات ينمي هذا الخلق عند صاحبه، ويحول بينه وبين الهبوط إلى الرذائل أو المغريات المادية الدنيوية.
والصحابة - رضوان الله عليهم - طلبوا الدنيا وزهدوا فيها في آن واحد، وذلك أنهم طلبوها واشتغلوا بها من جهة أنها عون على شكر الله عليها، ومركب للآخرة فكان طلبهم لها - والحالة هذه - عبادة من جملة عباداتهم، وتركوها وزهدوا فيها من جهة أنها مقتنص للذات، ومآل للشهوات، ومجرد نوال مأكول ومشروب وملبوس ومركوب فحسب، فكان تركهم لها على هذا المعنى أيضا عبادة من جملة عباداتهم، ولهذا فقد كان انشغالهم بها على معنى أنها عبادة، فبادروا إلى كل ما من شأنه أن يعود عليهم وعلى الأمة بالنفع الأخروي.
فنظرا لما في المبادرة أو السبق من إرضاء للرب - عز وجل - واتباع لنبيه - صلى الله عليه وسلم -، وإعزاز للإسلام وأهله وإرغام للشيطان وحزبه، فإن المبادرين السابقين بالخيرات يسرون لذلك وتحصل لهم السكينة والطمأينة، بل والغبطة لفعلهم هذا، الأمر الذي يجعلهم يستمرون في عملهم ويزدادون في سبقهم.
وقد ترجم البخاري لحديث: «لا حسد إلا في اثنتين (١)». . . فقال: باب اغتباط صاحب القرآن، ومما ذكر ابن حجر تعليقا على هذه الترجمة
(١) صحيح البخاري العلم (٧٣)، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (٨١٦)، سنن ابن ماجه الزهد (٤٢٠٨)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٤٣٢).