يديه، يدل على ذلك ويؤكده ما أجمعت عليه الروايات من أن عروض الخليل لم يأت إلا من طريق الأخفش، وأن هذا زاد في العروض فيما بعد بحر الخبب (١).
وأما النحو فقد كان الميدان في درسه واسعا، والمشتغلون به كثيرون، وجلهم متميز قوي متمكن منه ومن اللغة أيضا، من هنا طرق الأخفش فيهما كل باب، وجلس إلى جميع المشاهير فيهما في زمانه وسمع منهم وتلمذ لهم، ويبدو أن انشغاله بالتلقي عن أساتذته الجهابذة في النحو، واستغراقه في ذلك كل الوقت لم يكن يسمح له بالحضور في حلقة الخليل النحوية وأن اكتفاءه بما يفيده منهم، لم يكن ليجعله حريصا على غيرهم، فاكتفى لذلك بأن يقصد حلقة الخليل في دروس العروض التي تفرد بها والتي لم يكن ليجدها عند غيره ليتلقى عنه هذا العلم وحده بشكل مباشر.
أما النحو وغيره من علوم الآلة وكذلك اللغة فقد تلقى ما تلقاه منها عن الخليل من طريقين غير مباشرين، أحدهما: ما كان يسمعه من أساتذته من علم الخليل، والثاني: طريق كتاب سيبويه الذي كان معرضا لآراء أستاذه الخليل والذي كانت عامة الحكاية فيه عنه.
إن التأمل فيما ذكرته أكثر المصادر وفيما نقله ابن جني عن الفارسي قادني في محاولة التوفيق بينهما بما يجعلهما يسلمان مما يظهر عليهما لأول وهلة من التناقض إلى قول ما قلت، فأبو علي في أغلب ظني قصد إلى نفي تلقي الأخفش النحو والصرف واللغة - وهي العلوم التي كان أبو علي يهتم بها ويكاد يقصر علمه عليها - عن الخليل على نحو مباشر، ولم يقصد إلى نفي تلقي العروض - الذي لم يكن معنيا به - عنه على هذا النحو، أما