للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان الأقباط يكتبون على القراطيس ما ينسب المسيح إلى الربوبية، فأبدلها عبد الملك بعبارة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (١) مما ساء ملك الروم، وهدد عبد الملك بأن يكتب على الدنانير ما يسيء إلى نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام، وكان ذلك سببا لضرب عملة خاصة به بإشارة: خالد بن يزيد بن معاوية، وتوقف التبادل بين الدولتين في الأوراق والدنانير.

وأنشأ عبد الملك دارا للضرب عام ٧٤هـ، وضربت الدنانير الدمشقية (٢)، والحقيقة أن عبد الملك كان يفكر منذ زمن في إيجاد نقد للدولة المترامية الأطراف، ولا يعقل أن تعتمد دولة في نقدها على دولة معادية تهدد علاقتهما حروب مستمرة، وإذا أضفنا إلى ذلك أن دراهم فارس شاع فيها الغش وفسدت فسادا كبيرا، كما أن عدم وجود نقد للدولة يسبب حرجا للرعية في مبادلاتهم، وفي دفع زكاتهم ومختلف معاملاتهم، وهكذا وجه عبد الملك صفعة للقيصر باستقلاله النقدي عن الذهب الروماني، وأصبح للدولة الإسلامية دارا للضرب، وأصبح ضرب العملة في غيرها أمرا محظورا يعاقب عليه النظام، كما يعاقب من يسيء إلى النقد وسلامته ونظامه. وقد أرسل عبد الملك جزءا من نقوده إلى القيصر من الإتاوة التي كان يدفعها، وبأسلوب ساخر متهكم مهذب يخبره بأن الخلافة أصبحت تتمتع بسلطة إصدار النقود، وكان من نكد جستنيان أن تخلى عنه فيلق الصقالبة في وقت لا بد له من مواجهة عبد الملك الذي انتصر على الروم انتصارا ساحقا ورفع على حرابه معاهدة عام (٦٨٦م) المنقوضة (٣).

وظهر دينار عبد الملك الذي يزن ٧٢ حبة شعير، كما ظهر الدرهم الذي يزن ٢/ ٥ ٥٠ خمسون حبة وخمسا حبة، روى البلاذري قال: حدثنا


(١) سورة الإخلاص الآية ١
(٢) فتوح البلدان، البلاذري، والخراج للريس ص٢٠٩، والطبري في حوادث عام ٧٣.
(٣) بحوث في التاريخ الاقتصادي، لعدد من المستشرقين، تعريب توفيق إسكندر ص١٢٠