للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كانت سكة الإمام، وعقد أبو داود في سننه بابا خاصا للنهي عن كسر سكة المسلمين، واشترط للنهي ثلاثة شروط:

١ - كون النقود رائجة.

٢ - كونها من ضرب الإمام.

٣ - ألا يكون بها بأس كزيف أو عيب (١)، ومجيء مثل هذه الأحاديث كالصريح في أنه كان للمسلمين سكة رائجة متداولة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، وقد ادعى جرجي زيدان مثل هذه المقولة، ورد عليه محمد أمين الحلواني منكرا أن أحدا من الخلفاء الراشدين قد ضرب نقدا نحاسيا أو غيره وذلك في كتابه " نشر الهذيان من تاريخ جرجي زيدان "، ولكن جاء في شرح العيني على البخاري أنه نقل عن المرغنياني أن الدراهم كانت شبه النواة، ودورت على عهد عمر رضي الله عنه لما بعث معقل بن يسار وحفر نهره المشهورة، فضرب عمر الدراهم على نقش الكسروية (٢).

وهذه الروايات كلها لا ترفع اتفاق المؤرخين أن النقد الرسمي للدولة الإسلامية إنما أخذ شكله الرسمي على يد عبد الملك بن مروان عام ٧٦هـ.

أما أحاديث النهي عن كسر سكة المسلمين فلا تدل بالضرورة على وجود نقد رسمي متداول ضربه الخلفاء، ويمكن حملها على ما سيكون في المستقبل، أو على العملة نفسها المستوردة من فارس والروم.

وما قاله المؤرخون فيمكن حمله على أنه محاولة فردية، وخاصة إذا عرفنا أن سك النقود كان مهنة للأشخاص وليس من عمل الحكومة، وإن السكة الإسلامية كوظيفة رسمية للسلطان إنما اتخذت إطارها الرسمي في عهد


(١) عون المعبود ٣/ ٢٨٦.
(٢) التراتيب الإدارية للكتاني ١/ ٤١٩.