للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا اعتبرنا الورق النقدي من الديون القوية - فجمهور الفقهاء على وجوب زكاتها، واشترط الحنابلة قبضها فعلا - ولكن الحنفية والمالكية اشترطوا القبض فعلا، ولكن لما كانت جهة الإصدار كالمدين الحاضر المليء، فالدين في حكم المقبوض تجب زكاته عند غير الحنابلة، والذي يبدو أن الشافعية وحدهم الذين يرون وجوب زكاة الدين المستقر ولو لم يقبض، إلا أنه إذا نظرنا للورق النقدي، من قبيل الحوالة بالمعاطاة على الجهة المصدرة، وعلمنا أن مشهور مذهب الشافعية عدم صحة العقود بالمعاطاة - فتكون الحوالة فاسدة لانعدام الإيجاب والقبول، فلا تزكى إلا بالقبض.

إذا علمنا ذلك فإن كتاب (الفقه على المذاهب الأربعة) قد تساهل في: نسبة أقوال المذاهب لأصحابها في زكاة الورق النقدي، ولكن الكتاب المذكور قد وجد المخرج من ذلك بأن عدم الإيجاب والقبول اللفظين لا يبطل الحوالة؛ حيث جرى العرف بذلك، على أن بعض الشافعية قال: المراد بالإيجاب والقبول كل ما يشعر بالرضا، وهو هنا متحقق.

ويبدو أن قياس هذه الأوراق على الدين لا يستقيم لسببين:

الأول: أن الدين في ذمة المدين لا يعد مالا ناميا، ولا يتعامل بوثيقته رسميا، ووظيفة هذه الوثيقة هي الحفظ من الضياع، بخلاف الورق النقدي فهو نام ومتداول يتعامل به الناس، فلا يمكن عده وثيقة، والفقهاء إنما حكموا بعدم زكاة الدين، حتى يقبض، لهذه العلة (١).

الثاني: أن هذه الأوراق أصبحت قيمة في ذاتها، وبعد أن أصبحت النقود الورقية إلزامية، لا يمكن استبدالها برصيدها المحفوظ من الذهب والفضة،


(١) فقه الزكاة - د. يوسف القرضاوي ١/ ٢٧٣.