للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكن تحديد الكفاية يختلف بين أسرة صغيرة ومتوسطة وكبيرة، كما يختلف أسلوب المعيشة بين بادية بسيطة ومدنية معقدة، ومراعاة عرف المجتمع في طريقة حياته لا ينكره الفقهاء، ضمن دائرة الحلال؛ فالمبلغ الذي كان والدي يعيلنا به في صغري لا يكفيني اليوم لأسبوع واحد، وقد كان يكفينا شهرا، فحد الكفاية يختلف بين زمن وآخر، وشخص وآخر، وأسرة وأخرى، والنصاب الزكوي المحدد ليس كفاية سنة، بل هو الزائد عن حاجات الأسرة الضرورية والحاجية، وتحديد كفاية السنة لا يمكن ضبطه برقم أو استقراء إحصائي، بل هو عائد لضمير المسلم وسلوكه وأخلاقياته، فما زاد عن حاجة الحول وبلغ النصاب المحدد زكاه صاحبه.

وزكاة النقدين ثابتة بالنص، أما نصاب النقد الورقي فهو متغير يوميا تبعا لاختلاف القوة الشرائية للنقود، ومن المستحيل ضبطه برقم ثابت طيلة العام، إلا إذا ضمنا ثبات أسعار العملات جميعا بما فيها الذهب والفضة، وأخيرا هل يمكن اعتبار نصاب الغنم (٤٠) شاة كافيا لضمان حياة سنة لأسرة متوسطة في حياتنا المعاصرة؟ وكيف نقدر نصاب النقد الورقي؟

إن تقدير النصاب في النقد الورقي بجعله تابعا لقيمة نصاب بهيمة الأنعام أو نصفه لا يصح؛ لأن المقياس يجب أن يكون ثابتا لا متغيرا، وسعر الغنم لا يثبت، حتى ولا في أوسط البلاد وأكثرها اعتدالا، فعدا عن اختلاف السعر من بلد لآخر - يختلف السعر في الشتاء عن الصيف، وفي سني الجدب عن سني الخصب، وفي موسم التوالد عن المواسم الأخرى، وكلها متغيرات أبعد ما تكون عن حقيقة الثبات المنشودة في الحكم الشرعي، ولا بد لتقدير النصاب من العودة إلى مجموع أنصبة الزكاة، لنرى