للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا ممن امتلأ بالشعر، ودخل تحت مضمون الذم، ولو كان يروي شعرا كثيرا أو يقوله، وممن ذهب هذا المذهب أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه (غريب الحديث)، والإمام البخاري في صحيحه، إذ عقد بابا في كتاب الأدب منه بعنوان: (باب ما يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر)، والإمام النووي في (شرح صحيح مسلم) والإمام القرطبي - رحمهم الله جميعا -.

(قال أبو عبيد: سمعت يزيد بن هارون يحدث بحديث، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعرا (١)» يعني: من الشعر الذي هجي به النبي - صلى الله عليه وسلم -.

ولكن وجهه عندي: أن يمتلئ قلبه من الشعر حتى يغلب عليه، فيشغله عن القرآن وذكر الله، فيكون الغالب عليه من أي شعر كان، فإذا كان القرآن والعلم الغالبين عليه، فليس جوف هذا ممتلئا من الشعر عندنا (٢).

وقال الحافظ في (الفتح ١٠/ ٥٤٨) تعليقا على عنونة الإمام البخاري لهذه الأحاديث بهذه العبارة: (هو في هذا الحمل متابع لأبي عبيد، ووجهه أن الذم إذا كان للامتلاء، وهو الذي لا بقية معه، دل على أن ما دون ذلك لا يدخله الذم).

أما الإمام النووي فقد ذهب إلى القول: (هذا الحديث محمول على التجرد للشعر، بحيث يغلب عليه، فيشغله عن القرآن والذكر) (٣).

ويبدو أن الحافظ ابن حجر ممن يميلون إلى هذا الوجه، فقد قال في (الفتح ١٠/ ٥٥٠): (مناسبة هذه المبالغة في ذم الشعر، أن الذين


(١) صحيح البخاري الأدب (٦١٥٤)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٩٦)، سنن الدارمي الاستئذان (٢٧٠٥).
(٢) غريب الحديث / لأبي عبيد (١/ ٣٦).
(٣) شرح صحيح مسلم / للنووي (٧/ ٥٠).