للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الحافظ ابن حجر بعد أن ذكر حديث: «لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا (١)»: (ظاهره العموم في كل شعر، لكنه مخصوص بما لم يكن مدحا حقا كمدح الله ورسوله، وما اشتمل على الذكر والزهد وسائر المواعظ، مما لا إفراط فيه، ويؤيده حديث عمرو بن الشريد عن أبيه عن جده عند مسلم، قال: «استنشدني النبي من شعر أمية بن أبي الصلت، فأنشدت حتى أنشدته مائة بيت (٢)») (٣).

٥ - وذهب فريق إلى إسقاط الاستدلال بالأخبار لتعارضها والقول بالاستنباط، وحجتهم أن الأخبار الموجبة للمنع قد عارضتها أخبار أخرى غيرها، مثلها في الصحة، يأمر بها النبي - صلى الله عليه وسلم - المؤمنين به من شعراء الصحابة بقيل الشعر وهجاء المشركين إذا هجاهم المشركون، وتركه رواة ذلك الشعر في عصره دون الإنكار عليهم في روايتهم إياه، واستنشاده بعضهم الكثير منه، واستماعه إلى منشديه كثيرا من غير كراهة منه لذلك.

قالوا: وإذا كانت الروايتان عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صحيحتين، وكان غير جائز أن يكون ذلك منه في وقت واحد ومقام واحد، وإذا كان أحدهما دليلا على تحريم الامتلاء من الشعر، والآخر على إباحته وإطلاقه، علم أن ذلك كان منه في وقتين مختلفين، ولما لم يكن معلوما لدينا أيهما المتقدم صاحبه وجب طرحهما، والمصير أن يعرف الواجب في ذلك من جهة الاستنباط.

قالوا: وإذا كان الأمر كذلك، وكان الشعر كلاما كسائر الكلام غيره، غير أن له فضلا على غيره من الكلام المنثور بأنه موزون تستحليه الألسن وتستعذبه المسامع، ولم يكن الممتلئ جوفه خطبا ورسائل مستحقا أن


(١) صحيح البخاري الأدب (٦١٥٤)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٣٩)، سنن الدارمي الاستئذان (٢٧٠٥).
(٢) صحيح مسلم الشعر (٢٢٥٥)، سنن ابن ماجه الأدب (٣٧٥٨)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٣٨٩).
(٣) فتح الباري (١٠/ ٥٤٩).