للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال إسماعيل القاضي: ليس في القرعة إبطال الشيء من الحق كما زعم بعض الكوفيين، بل إذا وجبت القسمة بين الشركاء فعليهم أن يعدلوا ذلك بالقيمة ثم يقترعوا فيصير لكل واحد ما وقع له بالقرعة مجتمعا مما كان له في الملك مشاعا، فيضم في موضع بعينه ويكون ذلك بالعوض الذي صار لشريكه؛ لأن مقادير ذلك قد عدلت بالقيمة، وإنما أفادت القرعة أن لا يختار واحد منهم شيئا معينا فيختاره الآخر فيقطع التنازع. وهي إما في الحقوق المتساوية وإما في تعيين الملك، فمن الأول عقد الخلافة إذا استووا في صفة الإمامة، وكذا بين الأئمة في الصلوات والمؤذنين والأقارب في تغسيل الموتى والصلاة عليهم، والحاضنات إذا كن في درجة، والأولياء في التزويج، والاستباق إلى الصف الأول، وفي إحياء الموات، وفي نقل المعدن، ومقاعد الأسواق، والتقديم بالدعوى عند الحاكم، والتزاحم على أخذ اللقيط، والنزول في الخان المسبل ونحوه، وفي السفر ببعض الزوجات، وفي ابتداء القسم، والدخول في ابتداء النكاح، وفي الإقراع بين العبيد إذا أوصي بعتقهم ولم يسعهم الثلث، وهذه الأخيرة من صور القسم الثاني أيضا، وهو تعيين الملك، ومن صور تعيين الملك الإقراع بين الشركاء عند تعديل السهام في القسمة. اهـ.

قال ابن القيم في الطرق الحكمية: فصل القرعة:

من طرق الأحكام الحكم بالقرعة، قال تعالى: ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذا يختصمون قال قتادة: كانت مريم ابنة إمامهم وسيدهم فتشاح عليها بنو إسرائيل، فاقترعوا عليها بسهامهم، أيهم يكفلها، فقرع زكريا، وكان زوج خالتها، فضمها إليه. وروي نحوه عن مجاهد، وقال ابن عباس: لما وضعت مريم في المسجد اقترع عليها أهل المصلى، وهم يكتبون الوحي، فاقترعوا بأقلامهم أيهم يكفلها. وهذا متفق عليه بين أهل التفسير.

وقال تعالى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} (١) {إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} (٢) {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} (٣) أي: فقارع، فكان من المغلوبين.

فهذان نبيان كريمان استعملا القرعة، وقد احتج الأئمة الأربعة بشرع من قبلنا إن صح ذلك عنهم،


(١) سورة الصافات الآية ١٣٩
(٢) سورة الصافات الآية ١٤٠
(٣) سورة الصافات الآية ١٤١