لمزاولة الفلاحة، إلا أنه لم يجد في الفلاحة ما يغطي حاجته، فاضطر لفتح دكان يسانده بجانب الزراعة، ومع ذلك لم يستفد كثيرا؛ لأن ما يحصل عليه من كسب الدكان ينفقه في الزراعة، فضاق ذرعا بالزراعة، وتوقف عنها، ثم رغب في العودة مرة أخرى لمزاولة التجارة من جديد، فطلب الإذن من والدته لحرصه على برها، فأذنت له، وعاد لممارسة البيع والشراء، وبدأ يأخذ بضاعة ويذهب بها إلى الجهات المجاورة كعادته سابقا، واستمر الحال كذلك حتى ترك التجارة، وانصرف إلى طلب العلم (١).
ومن هذا يلاحظ أن التجارة، والرغبة في امتهانها قد تغلغلت محبتها في قلبه، وقد رأى فيها مطيته للمهمة التي تهيأت نفسه لها؛ لأن التجارة مدخل من المداخل التي تأنس بها الأفئدة، وتتقارب القلوب من حيث حسن التعامل، والمساعدة بالبذل للمحتاج، والإحسان إلى الضعيف والصغير، حيث سمى الاقتصاديون المال عصب الحياة.
ومن هنا ندرك أن امتهان الشيخ القرعاوي للتجارة، أسلوب من أساليب الذكاء، يستطيع به التقرب إلى الناس، والإحسان إليهم، حتى يقبلوا الدعوة، وهذه من المداخل التي يحاول بها المبشرون التغلغل للقلوب، لكنه - رحمه الله - سلك طريقا أمكن في أسر القلوب من طرائقهم، وأدعى لقبول الدعوة من أساليبهم، إنها طريقة الإسلام، ومنهجه بالبذل والعطاء في النفس والمال، طمعا لما عند الله من أجر مدخر. . ونراه يقول في رسالته التي نشرت في المنهل: وفي اليوم العشرين من صفر عام ١٣٥٨هـ توجهت لجازان، وأخذت منه بضاعة، وتوجهت لسامطة، ثم تجولت
(١) انظر كتابه (عبد الله القرعاوي ودعوته في الجنوب) (ص١٥).