للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسليمان العمري، قاضي الاحساء. . هكذا ذكر لي، وأنا معه في المسجد الحرام، وأملى علي رحلاته وسأذكرها: فتح مدرسة للتعليم لكتاب الله والخط والحساب ومبادئ العلوم، وكان مجودا وله صوت رخيم، واستمر يدرس تبرعا لوجه الله، والتف إليه طلبة كثيرون، وإذا حان وقت الصلاة ساقهم إلى المسجد ومعه عصاه، ومتى رأيناه مقبلا ونحن في طفولتنا ينذر بعضنا البعض: جاءكم القرعاوي، فنهرب ويرسل علينا عصاه، وهذا دأبه طول بقائه بعنيزة، داعية خير ورشد، وتخرج عليه قراء مهرة، وإذا قيل له: اكفف عن الضرب لتسلم من أذيتهم يجيب بأنني قادر على الإنكار باليد، وفي الصحيح: «من رأى منكم منكرا فلغيره بيده (١)» وكان إذا طلع الفجر، يقوم فيقرع بيوت جيرانه: قوموا إلى الصلاة. . الصلاة خير من النوم. بصوت عال، ويقرع الأبواب حتى يستيقظوا، ويظهر إلى خارج البلد، فمن رآه ساقه إلى المسجد بالعصا، كما يسوق الراعي غنمه، ومتى لم يمتثلوا ضربهم، أو رفع بهم إلى الحاكم (٢).

وقد استمر في إبانة ما يهم الناس في أمور دينهم، بصلابته في الدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. . إلى أن قال: وبعد عودته من التجارة في الشام إلى عنيزة، صار يوالي نشاطه التربوي والتأديبي، وفتح دكانا للبيع والشراء، وكان صدوقا في المعاملة، وفي الصباح والليل يلازم مشائخه، ورحل إلى بريدة فقرأ على علمائها، ومنهم عبد الله بن سليم، وعمر بن سليم، وفي عام ١٣٤٤هـ سافر إلى الهند، فقرأ على علماء الحديث في دلهي حوالي سنة، فبلغه مرض أمه، وطلبها لحضوره، عند ذلك أزمع السفر إلى عنيزة، وماتت - رحمها الله - قبل وصوله، فبقي عشرة


(١) صحيح مسلم الإيمان (٤٩)، سنن الترمذي الفتن (٢١٧٢)، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (٥٠٠٩)، سنن أبو داود الصلاة (١١٤٠)، سنن ابن ماجه الفتن (٤٠١٣)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ١٠).
(٢) روضة الناظرين (٢: ٤٠ - ٤١).