للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قتلوه؟ " فقالوا: ما يبالون أن يقتلونا أجمعين ثم ينتفلون، قال: "أفتستحقون الدية بأيمان خمسين منكم؟ " قالوا: ما كنا لنحلف، فوداه من عنده (١)».

ويمكن أن يجاب عن ذلك بجوابين:

الأول: الجمع، وسبق ذكر ذلك في مناقشة الدليل الأول للقائلين بأنه يبدأ بالمدعين.

الثاني: قال القاضي عياض: وما احتج به الآخرون من رواية من روى أنه بدأ بالمدعى عليهم.

قال المحدثون: هي وهم من راويها (٢) ويمكن أن يناقش هذان الجوابان بما ذكره ابن رشد من أن الذين يرون البدء بالمدعى عليهم بالأيمان قالوا: وأحاديثنا هذه أولى من التي تروى فيها تبدئة المدعين بالأيمان؛ لأن الأصل شاهد لأحاديثنا من أن اليمين على المدعى عليه (٣).

ويناقش الجواب الثاني بما ذكره ابن رشد من أن الأحاديث المتعارضة في ذلك مشهورة (٤) ويمكن أن يجاب عن هذه المناقشة بقول الحطاب: الرواية الصحيحة المستفيضة أنه إنما بدأ فيه بالمدعين (٥) ومنها ما رواه أبو داود في سننه قال: حدثنا الحسن بن محمد الصباح الزعفراني، أخبرنا أبو نعيم، أخبرنا سعيد بن عبيد الطائي، عن بشير بن يسار، «زعم أن رجلا من الأنصار يقال له سهل بن أبي حثمة أخبره أن نفرا من قومه انطلقوا إلى خيبر فتفرقوا فيها فوجدوا واحدهم قتيلا، فقالوا للذين وجدوه عندهم: قتلتم صاحبنا، فقالوا ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا، فانطلقنا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: فقال لهم: " تأتون بالبينة على من قتل هذا؟ " قالوا: ما لنا بينة قال: " فيحلفون لكم؟ " قالوا: لا نرضى بأيمان اليهود، فكره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يطل دمه، فوداه مائة من إبل الصدقة (٦)».

ورد هذا الحديث بقول النسائي لا نعلم أحدا تابع سعيد بن عبيد على روايته عن بشير بن يسار، وبقول مسلم: رواية سعيد بن عبيد غلط، ويحيى بن سعيد أحفظ منه.

وقال ابن القيم: والصواب رواية الجماعة الذين هم أئمة أثبات أنه بدأ بأيمان المدعين، فلما لم يحلفوا ثنى باليهود، وهذا هو المحفوظ في هذه القصة، وما سواها وهم (٧) ويقول الخطابي في المعالم: في الحديث حجة لمن رأى أن اليمين على المدعى عليهم، إلا أن أسانيد الأحاديث المتقدمة أحسن اتصالا وأصح متونا.


(١) صحيح البخاري الديات (٦٨٩٩).
(٢) إكمال إكمال المعلم ج٤ ص٣٩٥. .
(٣) بداية المجتهد ج٢ ص٤٣٠. .
(٤) بداية المجتهد ج٢ ص٤٣٠. .
(٥) إكمال إكمال المعلم ج٤ ص٣٩٥. .
(٦) صحيح البخاري الديات (٦٨٩٨)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٦٩)، سنن الترمذي الديات (١٤٢٢)، سنن النسائي القسامة (٤٧١٥)، سنن أبو داود الديات (٤٥٢٣)، سنن ابن ماجه الديات (٢٦٧٧).
(٧) شرح سنن أبي داود ج١٢ ص٢٤٩ - ٢٥٠. .