للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا يجري فيهما ربا الفضل، فجاز النساء فيهما كالعرض بالدينار. ولأن النساء أحد نوعي الربا، فلم يجز في الأموال كلها كالنوع الآخر.

والرواية الثانية: يحرم النساء في كل مال بيع بجنسه، كالحيوان بالحيوان، والثياب بالثياب، ولا يحرم في غير ذلك. وهذا مذهب أبي حنيفة. وممن كره بيع الحيوان بالحيوان نساء ابن الحنفية، وعبد الله بن عمير، وعطاء، وعكرمة بن خالد، وابن سيرين، والثوري. وروي ذلك عن عمار، وابن عمر، لما روى سمرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، (١)» قال الترمذي: (هذا حديث حسن صحيح)، ولأن الجنس أحد وصفي علة ربا الفضل، فحرم النساء كالكيل والوزن.

والثالثة: لا يحرم النساء إلا فيما بيع بجنسه متفاضلا، فأما مع التماثل فلا؛ لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الحيوان اثنين بواحد لا يصلح نساء، ولا بأس به يدا بيد (٢)» قال الترمذي: (هذا حديث حسن). وروى ابن عمر: «أن رجلا قال: يا رسول الله، أرأيت الرجل يبيع الفرس بالأفراس والنجيبة بالإبل؟ فقال: "لا بأس إذا كان يدا بيد (٣)». من المسند. وهذا يدل على إباحة النساء مع التماثل بمفهومه.

والرابعة: يحرم النساء في كل مال بيع بمال آخر، سواء كان من جنسه أو من غير جنسه. وهذا ظاهر كلام الخرقي، ويحتمل أنه أراد الرواية الثالثة؛ لأنه بيع عرض بعرض، فحرم النساء بينهما كالجنسين من أموال الربا. قال القاضي: (فعلى هذا لو باع عرضا بعرض، ومع أحدهما دراهم، العروض نقدا والدراهم نسيئة جاز، وإن كانت الدراهم نقدا والعروض نسيئة لم يجز؛ لأنه يفضي إلى النسيئة في العروض). وهذه الرواية ضعيفة جدا، لأنه إثبات حكم يخالف الأصل، بغير نص ولا إجماع ولا قياس صحيح، فإن في المحل المجمع عليه أو المنصوص عليه أوصافا لها أثر في تحريم الفضل، فلا يجوز حذفها عن درجة الاعتبار، وما هذا سبيله، لا يجوز


(١) سنن الترمذي كتاب البيوع (١٢٣٧)، سنن النسائي كتاب البيوع (٤٦٢٠)، سنن أبو داود البيوع (٣٣٥٦)، سنن ابن ماجه كتاب التجارات (٢٢٧٠)، مسند أحمد بن حنبل (٥/ ١٩)، سنن الدارمي كتاب البيوع (٢٥٦٤).
(٢) سنن الترمذي كتاب البيوع (١٢٣٨)، سنن ابن ماجه كتاب التجارات (٢٢٧١)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٣١٠).
(٣) مسند أحمد بن حنبل (٢/ ١٠٩).