٣ - سبق في كلام الشافعي -رحمه الله- أن النساء يدخلن في القسامة.
٤ - قال الخرقي: والنساء والصبيان لا يقسمون.
قال ابن قدامة: يعني إذا كان المستحق نساء وصبيانا لم يقسموا؛ أما الصبيان فلا خلاف بين أهل العلم أنهم لا يقسمون، سواء كانوا من الأولياء، أو مدعى عليهم؛ لأن الأيمان حجة للحالف، والصبي لا يثبت بقوله حجة. ولو أقر على نفسه، لم يقبل، فلئلا يقبل قوله في حق غيره أولى.
وأما النساء فإذا كن من أهل القتيل، لم يستحلفن. وبهذا قال ربيعة، والثوري، والليث، والأوزاعي. . .
وقال مالك: لهن مدخل في قسامة الخطأ دون العمد. قال ابن القاسم: ولا يقسم في العمد إلا اثنان فصاعدا، كما أنه لا يقتل إلا بشاهدين.
وقال الشافعي: يقسم كل وارث بالغ؛ لأنها يمين في دعوى، فتشرع في حق النساء، كسائر الأيمان. ولنا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «يقسم خمسون رجلا منكم، وتستحقون دم صاحبكم (١)». ولأنها حجة يثبت بها قتل العمد، فلا تسمع من النساء، كالشهادة.
ولأن الجناية المدعاة التي تجب القسامة عليها هي القتل، ولا مدخل للنساء في إثباته، وإنما يثبت المال ضمنا، فجرى ذلك مجرى رجل ادعى زوجية امرأة بعد موتها ليرثها، فإن ذلك لا يثبت بشاهد ويمين، ولا بشهادة رجل وامرأتين، وإن كان مقصودها المال. فأما إن كانت المرأة مدعى عليها القتل، فإن قلنا إنه يقسم من العصبة رجال. لم تقسم المرأة أيضا؛ لأن ذلك مختص بالرجال. وإن قلنا: يقسم المدعى عليه. فينبغي أن تستحلف؛ لأنها لا تثبت بقولها حقا ولا قتلا، وإنما هي لتبرئتها منه، فتشرع في حقها اليمين، كما لو لم يكن لوث. فعلى هذا، إذا كان في الأولياء نساء ورجال، أقسم الرجال، وسقط حكم النساء، وإن كان فيهم صبيان ورجال بالغون، أو كان فيهم حاضرون وغائبون، فقد ذكرنا من قبل أن القسامة لا تثبت حتى يحضر الغائب، فكذا لا تثبت حتى يبلغ الصبي؛ لأن الحق لا يثبت إلا ببينته الكاملة، والبينة أيمان الأولياء كلهم، والأيمان لا تدخلها النيابة.
ولأن الحق إن كان قصاصا، فلا يمكن تبعيضه، فلا فائدة في قسامة الحاضر البالغ، وإن كان غيره فلا تثبت، وقد سبق كلام مالك -رحمه الله- في قسامة النساء في القتل الخطأ.
(١) سنن الترمذي الديات (١٤٢٢)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٢)، سنن الدارمي الديات (٢٣٥٣).