للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أجمع المسلمون عليه قبل أن ينبغ هؤلاء، ووجوبه بالشرع لا بالعقل خلافا للمعتزلة وأما قول الله عز وجل: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} (١) فليس مخالفا لما ذكرناه؛ لأن المذهب الصحيح عند المحققين في معنى الآية: أنكم إذا فعلتم ما كلفتم به فلا يضركم تقصير غيركم، مثل قوله تعالى: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (٢) وإذا كان كذلك فمما كلف به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا فعله ولم يمتثل المخاطب فلا عتب بعد ذلك على الفاعل؛ لكونه أدى ما عليه فإنما عليه الأمر والنهي لا القبول والله أعلم.

ثم إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف، ثم إنه قد يتعين كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو، وكمن يرى زوجته أو ولده أو غلامه على منكر أو تقصير في المعروف. قال العلماء رضي الله عنهم: لا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لكونه لا يفيد في ظنه، بل يجب عليه فعله فإن الذكرى تنفع المؤمنين. . . قال العلماء: ولا يشترط في الآمر والناهي أن يكون كامل الحال ممتثلا ما يأمر به مجتنبا ما ينهى عنه، بل عليه الأمر وإن كان مخلا بما يأمر به، والنهي وإن كان متلبسا. مما ينهى عنه، فإنه يجب عليه شيئان: أن يأمر نفسه وينهاها، ويأمر غيره وينهاه فإذا


(١) سورة المائدة الآية ١٠٥
(٢) سورة النجم الآية ٣٨