للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ووجه الاستدلال من هذا الحديث الطويل ما جاء في رواية أبي قلابة من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «أفتستحقون الدية بأيمان خمسين منكم (١)». وأما قصة الهذليين فليس فيها تصريح بما صنع عمر هل أقاد بالقسامة أو حكم بالدية كذا في فتح الباري ج١٢ ص٢٠٤ ثم وجدنا في مصنف عبد الرزاق ج١٠ ص٤٨ ما يدل على أن عمر حكم بالدية في هذه القضية فقد روى عبد الرزاق في باب الخلع عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة قال: (خلع قوم هذليون سارقا منهم كان يسرق الحاج قالوا: قد خلعناه فمن وجده يسرق فدمه هدر فوجدته رفقة من أهل اليمن يسرقهم فقتلوه فجاء قومه عمر بن الخطاب فحلفوا بالله ما خلعناه ولقد كذب الناس علينا فأحلفهم عمر خمسين يمينا ثم أخذ عمر بيد الرفقة فقال: أقرنوه إلى أحدكم حتى تؤتوا بدية صاحبكم ففعلوا فانطلقوا حتى دنوا من أرضهم أصابهم مطر شديد فاستنزوا بجبل طويل وقد أمرسوا، فلما نزلوا كلهم انقض الجبل عليهم فلم ينج منهم أحد ولا من ركابهم إلا التريك وصاحبه فكان يحدث بما لقي قومه اهـ

ومما أجيب به عن قوله - صلى الله عليه وسلم - للحارثيين «إما أن تدوا صاحبكم وإما أن تؤذنوا بحرب (٢)». وما ذكره الباجي قال: يحتمل أن يريد بقوله «أن تدوا صاحبكم (٣)» إعطاء الدية؛ لأنه قد جرى في كلام الحارثيين أنهم طلبوا الدية دون القصاص، ويحتمل أنهم لم يكونوا ادعوا حينئذ قتله عمدا، ويحتمل أنهم لما لم يعينوا القاتل وإنما قالوا: إن بعض يهود قتله ولا يعرف من هو لم يلزم في ذلك قصاص وإنما يلزم فيه الدية كالقتيل بين الصفين لا يعرف من قتله ولا يقول: دمي عند فلان ولا يشهد شاهد بمن قتله فإن ديته على الفرقة المنازعة له دون قسامة؛ ولذلك لم يذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حكم بالقسامة في هذا المقام، ولعل هذا كان يكون الحكم إن لم يقطع يهود بأنها لم تقتل ولم تنف ذلك عن أنفسها وتقول لا علم لنا وإنما أظهر في المقام ما يجب من الحق إن لم يقع النفي للقتل الموجب للقسامة أن عليهم أن يؤدوا الدية فإن امتنعوا من الواجب عليهم في ذلك فلا بد من محاربتهم في ذلك حتى يؤدوا الحق ويلتزموا من ذلك حكم الإسلام) (٤)، اهـ.

ومنهم من طعن في هذا الحديث لما جاء فيه «وإما أن تؤذنوا بحرب (٥)» قال الخطابي: (وقد أنكر بعض الناس قوله «وإما أن تؤذنوا بحرب (٦)» وقال " إن الأمة على خلاف هذا القول فدل على أن خبر القسامة غير معمول به، وقد أجاب الخطابي عن هذا بقوله بعد ما ذكرت (قلت ووجه الكلام بين وتأويله صحيح، وذلك أنهم إذا امتنعوا من القسامة ولزمتهم الدية فأبوا أن يؤدوها إلى أولياء الدم أوذنوا بحرب كما يؤذنوا بها إذا منعوا الجزية).

وأما استدلال أبي قلابة بترك القود بالقسامة لقوله (فوالله «ما قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحدا قط إلا في ثلاث خصال: رجل قتل بجريرة نفسه فقتل، أو رجل زنى بعد إحصان ورجل حارب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وارتد عن الإسلام (٧)» فقد قال فيه الحافظ ابن حجر: (لم يظهر لي وجه استدلال


(١) صحيح البخاري الديات (٦٨٩٩)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٧١)، سنن الترمذي الطهارة (٧٢)، سنن النسائي الطهارة (٣٠٥)، سنن أبو داود الحدود (٤٣٦٤)، سنن ابن ماجه الحدود (٢٥٧٨)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ١٦٣).
(٢) صحيح البخاري الأحكام (٧١٩٢)، سنن النسائي كتاب القسامة (٤٧١٠)، سنن أبو داود الديات (٤٥٢١)، سنن ابن ماجه الديات (٢٦٧٧)، موطأ مالك القسامة (١٦٣٠)، سنن الدارمي الديات (٢٣٥٣).
(٣) صحيح البخاري الأحكام (٧١٩٢)، سنن النسائي كتاب القسامة (٤٧١٠)، سنن أبو داود الديات (٤٥٢١)، سنن ابن ماجه الديات (٢٦٧٧)، موطأ مالك القسامة (١٦٣٠)، سنن الدارمي الديات (٢٣٥٣).
(٤) المنتقى شرح الموطأ. ج ٨ ص ٥٣.
(٥) صحيح البخاري الأحكام (٧١٩٢)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٦٩)، سنن الترمذي الديات (١٤٢٢)، سنن النسائي القسامة (٤٧١١)، سنن أبو داود الديات (٤٥٢١)، سنن ابن ماجه الديات (٢٦٧٧)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٢)، موطأ مالك القسامة (١٦٣٠)، سنن الدارمي الديات (٢٣٥٣).
(٦) صحيح البخاري الأحكام (٧١٩٢)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٦٩)، سنن الترمذي الديات (١٤٢٢)، سنن النسائي القسامة (٤٧١١)، سنن أبو داود الديات (٤٥٢١)، سنن ابن ماجه الديات (٢٦٧٧)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٢)، موطأ مالك القسامة (١٦٣٠)، سنن الدارمي الديات (٢٣٥٣).
(٧) سنن النسائي القسامة (٤٧٤٣)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٥٨).