للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} (١)، وذلك أنه كان في المدينة وغيرها من اليهود والمشركين من يقرض المحتاج بالربا الفاحش، كما نعهد من اليهود والخواجات في هذه البلاد، وفي ذلك من خراب البيوت ما فيه.

فالحكمة في تحريم الربا إزالة نحو هذا الظلم والمحافظة على فضيلة التراحم والتعاون، أو فقل: أن لا يستغل الغني حاجة أخيه الفقير إليه - كما قال الأستاذ الإمام - وهذا هو المراد بقوله تعالى: {فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} (٢)، ولا يخفى أن المعاملة التي ينتفع ويرحم فيها الآخذ والمعطي والتي لولاها لفاتتهما المنفعة مما تدخل في التعليل {لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} (٣)؛ لأنها ضده على أن المعاملة التي يقصد بها البيع والاتجار لا القرض للحاجة هي من قسم البيع لا من قسم استغلال حاجة المحتاج. ولا يخفى أن إدارة البريد هي مصلحة غنية من مصالح الحكومة، وأنها تستغل المال الذي يودع في صندوق التوفير فينتفع المودع والعمال المستخدمون في المصلحة والحكومة، فلا يظلم أحدهم الآخر.

فالأرجح أن ما قالوه ليس من الحيل الشرعية، وإنما هو من قبيل الشركة الصحيحة (٤)، من قوم المال، ومن آخرين الاستغلال فلا مانع إذن في رأينا من العمل بتعديلهم على أن العبرة في نظر الفقه بالعقد، ولذلك يحتال بعض علماء الرسوم في الربا الحقيقي فيأكلونه بلا عقد، ويقولون: إن ذلك


(١) سورة آل عمران الآية ١٣٠
(٢) سورة البقرة الآية ٢٧٩
(٣) سورة البقرة الآية ٢٧٩
(٤) المنار ٧/ ٢٨.