ذلك غضب غضبا شديدا، وقال: كيف يبيح المفتي الربا؟ لا بد أن أستشير غيره من العلماء في ذلك. ثم جمع سموه جمعية من علماء الأزهر في قصر القبة، وكلفهم وضع طريقة شرعية لصندوق التوفير ليظهر أمام العامة بأنه هو المحامي عن الدين والمطبق للمشروع على الشريعة، وأن الحكومة كانت عازمة على إكراه المسلمين على أكل الربا بمساعدة المفتي لولا تداركه الأمر، وقد وضع له العلماء مشروعا قدمته المعية لنظارة المالية.
(قال): وإن نظارة المالية عرضت علي ذلك المشروع لإقراره - أو قال للتصديق عليه - فوجدته مبنيا على ما كنت قلته للحكومة شفاها. هذا ما سمعت منه رحمه الله تعالى. وأظن أنه قال: إن أولئك العلماء كانوا من فقهاء المذاهب الأربعة، أو الثلاثة، ولا أجزم بذلك.
ومهما تكن صفة الطريقة التي وضعها العلماء لاستغلال أموال التوفير فلا يظهر عدها من الربا المجمع على تحريمه، وهو ربا النسيئة الذي كان في الجاهلية، وقد بينه الإمام أحمد لما سئل عن الربا الذي لا يشك فيه بمثل ما بينه غيره من أخذ الزيادة في مقابلة التأجيل؟ فقال: هو أن يكون له دين فيقول له - أي إذا حل أجل الدين: إما أن تقضي، وإما أن تربي، فإن لم يقض زاده هذا في المال وزاده هذا في الأجل. وذكر الفقيه ابن حجر في الزواجر: إن الإنساء فيه كان بالشهور؛ ولهذا كان يتضاعف ويخرب البيوت (١).