للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أدلة هذا القول

نظرا إلى اختلاف القائلين بهذا القول في تحديد بدء وقت جواز ذبحه فإننا نذكر أدلة كل قول على حده مع المناقشة. أما رواية أبي طالب عن الإمام أحمد أنه إن قدم به قبل عشر ذي الحجة جاز ذبحه وإن قدم به بعد دخول العشر فإنه لا يذبحه إلا يوم النحر فهذه الرواية مبنية على مصلحة مرسلة، وذلك أنه جاء في رواية أبي طالب كما في المغني أنه قال: سمعت أحمد قال في الرجل يدخل مكة في شوال ومعه هدي قال: ينحره بمكة وإن قدم قبل العشر ينحره حتى لا يضيع أو يموت أو يسرق انتهى المقصود.

ويمكن أن يجاب عن ذلك بأمور ثلاثة: أحدهما أن العمل بالمصلحة المرسلة مشروط بعدم مخالفتها نصا وقد خالفت النص هنا وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخر ذبح الهدي إلى يوم النحر قصدا وقال - صلى الله عليه وسلم -: «خذوا عني مناسككم (١)». الثاني: أنها منتقضة فإن التعليل بخوف الموت والضياع والسرقة وارد أيضا على الهدي إذا قدم به بعد دخول العشر لأن العشر يحتمل أن يموت فيها الهدي أو يضيع أو يسرق. الثالث: أن التحديد بالعشر لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا إجماع.

وأما من قال بجواز ذبحه بعد الإحرام بالعمرة وهو قول عند الشافعية ورواية عن الإمام أحمد وقول أبي الخطاب من الحنابلة ومن وافقهم من أهل العلم فاستدل له بالكتاب وهو قوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (٢).

وجه الدلالة ما ذكره الشيرازي وغيره أن هدي التمتع والقران له سببان هما العمرة والحج في تلك السنة فإن أحرم بالعمرة انعقد السبب الأول في الجملة فجاز الإتيان بالمسبب كوجوب قضاء الحائض أيام حيضها من رمضان لأن انعقاد السبب الأول الذي هو وجود شهر رمضان كفى في وجوب الصوم وإن لم تتوفر الأسباب الأخرى وإن لم تنتف الموانع، لأن قضاء الصوم فرع من وجوب سابقه في الجملة.

ويمكن أن يجاب عن ذلك بأن هذا مجرد فهم للآية باجتهاد عارضه نص ومن القواعد المقررة في باب الاجتهاد أنه لا يجوز الاجتهاد مع النص والنص هو قوله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} (٣) {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (٤)، وقد سبق الاستدلال بهذه الآية ومناقشتها في القول الأول فلا نطيل الكلام بالإعادة.


(١) سنن النسائي مناسك الحج (٣٠٦٢).
(٢) سورة البقرة الآية ١٩٦
(٣) سورة الحج الآية ٢٨
(٤) سورة الحج الآية ٢٩