للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ج - وأما من قال بجواز ذبحه بعد التحلل من العمرة وقبل الإحرام بالحج وهو قول الشافعية ومن وافقهم من أهل العلم فقد استدلوا بالكتاب والسنة والمعنى. أما الكتاب فقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (١). ووجه الاستدلال بها مع المناقشة يقال فيه ما قيل عند الاستدلال بها للقول قبل هذا، وأما السنة: فما رواه مسلم في صحيحه قال: وحدثني محمد بن حاتم حدثنا محمد بن بكر، أخبرنا ابن جريج أخبرنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث عن حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «فأمرنا إذا أحللنا أن نهدي ويجتمع النفر منا في الهدية (٢)» وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجهم في هذا الحديث وجه الدلالة: قال النووي: فيه دليل لجواز ذبح هدي التمتع بعد التحلل من العمرة وقبل الإحرام بالحج.

ويمكن أن يجاب عن ذلك بثلاثة أمور:

أحدها أن يقال: لا منافاة بين هذا الحديث وبين ما سبق من أدلة السنة للقول الأول وما جاء في معناها فإن جميعها يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر المفرد والقارن اللذين لم يسوقا الهدي بالتحلل، وأمر بالهدي وأمر باشتراك السبعة في البدنة إلا أنه في هذا الحديث نسق أمرهم بالهدي وأمرهم بأن يشترك السبعة في البدنة على أمره إياهم بالفسخ بدون فاصل متبعا ذلك قوله: " وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجهم " وليس في تلك الأحاديث هذه اللفظة ولا ذلك التنسيق فمن هنا نشا الخطأ في استدلال من استدل بهذا الحديث حيث لم يفرق بين زمن الأمر بالشيء وبين زمن فعل المأمور به فظن أن الإشارة في قوله " وذلك " إلى زمن الذبح وإنما هي إشارة إلى زمن الأمر والمراد أن زمن الأمر بالفسخ وزمن الأمر بالهدي والاشتراك فيها زمن واحد والحديث صريح في أن ذلك حين إحلالهم من حجهم وذلك إنما وقع يوم النحر؛ لأنه لا إحلال من حج البتة قبل يوم النحر فيكون الحديث حجة عليهم لا لهم وهذا ما يسمى عند الأصوليين بالقلب.

الثاني: أنه على تقدير أن قوله: " وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجهم في هذا الحديث " مخالف لما سبق من الأدلة فيقال في أن هذه الزيادة شاذة ووجه شذوذها مخالفتها لما سبق من الأدلة الصحيحة الخالية من هذه الزيادة، ومدارها على محمد بن أبي بكر البرساني وقد رواه عن جابر عدول عن طريق أبي الزبير المكي أئمة مالك بن أنس والليث بن سعد وأبو خيثمة ومطر الوراق وسفيان بن عيينة وجميع رواياتهم خالية من هذه الزيادة.

الثالث: أن هذا من الأمور التي تتوافر الهمم والدواعي على نقلها فلو وقع أمره - صلى الله عليه وسلم - للصحابة بأن يذبحوا الهدي بعد التحلل من العمرة وقبل الإحرام بالحج لسارعوا إلى الامتثال كما سارعوا إلى امتثال أوامره من لبس الثياب والتطيب ومجامعة النساء وغير ذلك ولو وقع ذلك لنقل فلما لم ينقل دل على


(١) سورة البقرة الآية ١٩٦
(٢) صحيح مسلم الحج (١٣١٨).