أما الصوم فكلكم يعلم ما فيه من الخير العظيم والمصالح الكبيرة التي منها تطهير النفس من أشرها وبطرها وشحها وبخلها وكبرها، ومن ذلك أن الصائم يعرف بالصيام حاجته وضعفه وشدة ضرورته إلى ما أباح الله من الطعام والشراب وغيرهما، ومنها تذكير العبد بإخوانه الفقراء والمحاويج حتى يواسيهم ويحسن إليهم، ومنها تمرين العبد على مخالفة الهوى وتعويده الصبر على ما يشق على النفس إذا كان في ذلك طاعة ربه ورضاه، فالصائم في الصيام يخالف هواه ويجاهد نفسه ويعودها الصبر عما يوافق هواها من مأكل ومشرب ومنكح في طاعة ربها ومولاها - عز وجل -.
وفي الصوم من الفوائد والحكم والأسرار ما لا يحصيه إلا الله - عز وجل -، وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، يقول الله - عز وجل -: إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك (١)»، والأحاديث في فضله وعظم شأنه كثيرة.
أما الحج ففيه من الفوائد العظيمة من الصلة بالله والتقرب إليه، ومفارقة الأوطان والأهل والعشيرة لأداء هذه الفريضة العظيمة وزيارة البيت العتيق ما لا تحيط به العبارة، فإنه في هذه العبادة يركب الأخطار، ويقطع الفيافي والقفار، ويشق الأجواء، يرجو رحمة ربه ويخاف عقابه سبحانه وتعالى، فما أحراه بالثواب الجزيل والأجر العظيم من المولى الكريم - عز وجل -، أما ما شرع الله - سبحانه - في هذه العبادة من الإحرام والتلبية، واجتناب كثير من العوائد، وكشف
(١) صحيح البخاري الحدود (٦٧٧٣)، صحيح مسلم الحدود (١٧٠٦)، سنن الترمذي الحدود (١٤٤٣)، سنن أبو داود الحدود (٤٤٧٩)، سنن ابن ماجه الحدود (٢٥٧٠)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٢٤٧)، سنن الدارمي الحدود (٢٣١١).