لقد كان توقد ذهن هذه الأمة، وقوة حافظتها، وصفاء ذاكرتها، من المفاخر التي تعتز بها، على مدار تاريخها.
نعم إن (الأمية) - حتى بمعنى عدم إتقان الكتابة وقراءة المكتوب - ليست نقصا في حد ذاتها، إنها ما كانت في يوم من الأيام كذلك، ولا يمكن له في المستقبل أن تكون، ويكفينا أن نقرأ التاريخ، ونرصد الواقع، لنتحف بالصورة والشاهد والمثال.
فكم ممن يحمل أعلى الشهادات، وبلغ من سلم الهرم التعليمي القمة، أو كاد، وهو في حقيقة حاله ولب جوهره فارغ المعتقد، خاوي الفكر، هراء التصور، ضحل الثقافة، ركيك المعرفة.
وكم ممن لا يحسن كتابة أو قراءة من كتاب، هو مفخرة شعبه وأمته، بل وتعجز عن إنجاب مثله أمم بأكملها.
وهذا هو تاريخنا الإسلامي الحافل بأفذاذ الرجال وصناديد العظام، الذين سطروا في جبين الدهر، أنصع الأمجاد، وأبهى المحامد والفعال، بما عجزت البشرية عبر تاريخها الطويل أن تأتي ببعض ما أتوا، وهم كانوا ممن لا يحسن كتابة، ولا يقرأ مسطورا.
لقد ألححنا اليوم بل وبالغنا في الإلحاح، على جعل (الشهادات) مقياسا، لمدى ما لدى المرء من علم وثقافة ومعرفة، حتى غدت شوارعنا وأزقتنا وأسواقنا تعج بمئات الآلاف، ممن يحملون أرفع الشهادات على مختلف تخصصاتها ومستوياتها، وليس