للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القلب بدونها، كما لا تستقيم الأبدان إلا بالحر والبرد والجوع والعطش والتعب والنصب وأضدادها، فتلك المحن والبلايا شرط في حصول الكمال الإنساني، والاستقامة المطلوبة منه، ووجود الملزوم بدون لازمه ممتنع (١). ومن العبودية أن يشكو العبد إلى ربه ويتضرع إليه ويدعوه، فالله يحب ذلك من العبد، (فهو سبحانه يرى عباده إذا نزل بهم ما يختبرهم به من المصائب وغيرها، ويعلم خائنة أعينهم وما تخفي صدورهم، فيثيب كل عبد على قصده ونيته، وقد ذم الله تعالى من لم يتضرع إليه، ولم يستكن له وقت البلاء) (٢). كما قال تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} (٣). فالله عز وجل يذيق عبده ألم الحجاب عنه والبعد، وزوال ذلك الأنس والقرب ليمتحن عبده، فإن أقام على الرضى بهذه الحال، ولم يجد نفسه تطالبه بحالها الأولى مع الله، بل اطمأنت وسكنت إلى غيره، علم أنه لا يصلح فوضعه في مرتبته التي تليق به.

وإن استغاث به استغاثة الملهوف، وتعلق تعلق المكروب، ودعاء دعاء المضطر، وعلم أنه قد فاتته حياته حقا، فهو يهتف بربه أن يرد عليه حياته، ويعيد عليه ما لا حياة له بدونه، علم أنه موضع لما هو أهل له، فرد أحوج ما هو إليه، فعظمت به فرحته، وكملت به لذته، وتمت


(١) إغاثة اللهفان: ٢/ ١٩٠.
(٢) تسلية أهل المصائب: ٢١٧ - ٢١٨.
(٣) سورة المؤمنون الآية ٧٦