للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

به نعمته، واتصل به سروره، وعلم حينئذ مقداره، فعض عليه بالنواجذ، وثنى عليه الخناصر، وكان حاله كحال ذلك الفاقد لراحلته التي عليها طعامه وشرابه في الأرض المهلكة إذ وجدها بعد معاينة الهلاك (١).

فما أعظم موقع ذلك الوجدان عنده، ولله أسرار وحكم ومنبهات وتعريفات لا تنالها عقول البشر.

القسم الثاني: إذا ابتلي الإنسان ولم يرده ذلك البلاء إلى الله، بل شرد قلبه عنه ورده إلى الخلق، وأنساه ذكر ربه، والضراعة إليه، والتذلل بين يديه والتوبة والرجوع إليه، فهو علامة شقاوته، وإرادة الشر به، فهذا إذا أقلع عنه البلاء رده إلى حكم طبيعته، وسلطان شهوته، ومرحه وفرحه، فجاءت طبيعته عند القدرة بأنواع من الشر والبطر، والإعراض عن شكر المنعم عليه بالسراء، كما أعرض عن ذكره والتضرع إليه في الضراء، فبلية هذا وبال عليه، وعقوبة ونقص في حقه (٢). ويرد على هذا:

مسألة: هل المصائب في الدنيا للمؤمنين فقط؟

وأقول: إنها ليست خاصة بالمؤمنين، فما يرى فيه الكافر والفاجر والمنافق من العز والنصر والجاه، فهو دون ما يحصل للمؤمنين بكثير، بل باطن ذلك ذل وكسر وهوان، وإن كان في الظاهر بخلافه. قال الحسن البصري رحمه الله: (أما والله لئن تدقدقت بهم الهماليح، ووطئت


(١) مفتاح دار السعادة: ١/ ٢٩٦.
(٢) طريق الهجرتين، ٩٦٤.