للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذن هذه هي المرة الثانية من العلو فما بال الفساد؟ وحتى يتحقق الفساد فنرى اليهود في دولتهم يرتكبون أفظع الجرائم، بحيث فاقوا كل أنواع العذاب التي عانوا منها في زعمهم أو عاناه غيرهم، ولذلك يحذرهم الله، فيقول لهم: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} (١)، وهم قد أساءوا فقتلوا النفس الإنسانية وعذبوها، ويتموا الأطفال، وسجنوا النساء، وهدموا البيوت، واغتصبوا الأرض، وأقاموا المستعمرات، وحرقوا الأقصى في ٢١/ ٨ / ١٩٦٩. والأقصى عند الله عظيم ودنسوا مسجد الخليل عليه السلام، والخليل عند الله هو الخليل، وارتكبوا جريمة الجرائم في مسجد الخليل يوم أن عمدوا إلى كتاب الله القرآن العظيم فمزقوه وداسوه.

وهنا تأتي عقوبة الله على ما اقترفوا من الإثم والجرائم بتفسير من الآيات، إن دولتهم لن يطول فسادها ولا علوها فيقول الله: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} (٢)، وهنا حين يخبر الله عن زوال دولتهم استعمل حرف الفاء للعطف، ولم يستعمل ثم، والفاء للعطف مع التعقيب، وتعقيب كل شيء بحسبه وما يناسبه وهو يدل على السرعة المناسبة في حصول المقصود، {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ} (٣) أي لذهاب علوهم الثاني تصبح وجوه بني إسرائيل سيئة، ويبشرنا ربنا جلت قدرته أننا سندخل المسجد الأقصى كما دخلناه أول مرة، وفي هذه الآية إشارة لطيفة إلى دخولنا المسجد مرتين، والمرتان حدثتا بعد نزول الآية، المرة الأولى الفتح العمري للمسجد حين دخله باسم الله والإسلام، والمرة الثانية هذه التي نحن على أبوابها حيث سيدخل المسلمون المسجد فاتحين


(١) سورة الإسراء الآية ٧
(٢) سورة الإسراء الآية ٧
(٣) سورة الإسراء الآية ٧