للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يساريا تقدميا، وإنما يكون قتالا إسلاميا في سبيل الله كما كان دائما قتال النصر للمسلمين: {وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا} (١)،

وبعد. . فإن الآية الأولى من سورة الإسراء نصت على بركة الأرض التي تحيط بالمسجد الأقصى وكذلك آيات أخرى نصت على هذه البركة مثل قوله تعالى في حق الخليل إبراهيم: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} (٢)، وقوله {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ} (٣)، والبركة الزيادة في كل شيء وليست بركة هذه الأرض مادية، وإنما بركتها بالإضافة إلى الأشياء المادية بركات معنوية، تتمثل في أنها عش الأنبياء، ولذلك فكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في دفنه في بيت المقدس عند وفاته باعتبارها عش الأنبياء وكانت لم تفتح بعد، وهي مهبط الوحي، وهي مسرى النبي ومعراجه منها صلى الله عليه وسلم، وهي القبلة الأولى، فقد صلى المسلمون إلى مسجدها ستة عشر شهرا، ومسجدها تشد إليه الرحال، كما ورد في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى (٤)».

ومن بركة هذه الأرض استقراء أنه حينما يبتعد المسلمون عن محور عزهم ومركز قوتهم وهو الإسلام يضعفون ويتمزقون وتكثر دولهم ودويلاتهم؛ فيسهل على العدو أن يتسرب من خلالهم، فيأخذ الأرض المباركة ويأخذ المسجد الأقصى، وعندها يتحرك المسلمون حركة حياة من جديد وينفضون غبار الهزيمة فيعملون لاستخلاص هذه الأرض فعن طريق استخلاصها يتم توحيد المسلمين من جديد. ألا ترون أنه بسبب حريق المسجد الأقصى كان مؤتمر القمة الإسلامي الأول في المغرب الذي انبثق عنه مؤتمر وزراء الخارجية المسلمين الذين كونوا الأمانة العامة الإسلامية في جدة، وهذا من بركة هذه الأرض التي باركها الله، ولذلك لن يصل أحد مع اليهود وأعوانهم إلى حل حتى يأتي أمر الله، ويتوحد المسلمون، ويعود الإسلام محركا للحياة في ديار الإسلام وفي العالم كله.

وقد ظهرت بركتها في الحروب الصليبية إذ بعد أن أخذها المسلمون، وظنوا أن الأمر قد استقر لهم كانت حروبهم سببا في توحيد المسلمين من جديد فكان نور الدين زنكي الذي وحد الأجزاء المبعثرة وأخذ الراية منه صلاح الدين، فكانت حطين النصر المبين، وكانت معركة القدس فيما بعد ودخلها - رحمه الله - فأعاد الأمن والأمان إليها وعاد مسجدها إلى قدسيته وطهره.

وقدر أهل الشام وفلسطين منها أنهم مرابطون إلى يوم القيامة حيث الكفار لا يتركون الأرض المباركة يستقر أهلها وهم يريدون مسجدها ليقيموا عليه الهيكل.

روى الطبراني عن النبي صلى الله عليه وسلم «أن أهل الشام وأزواجهم وذراريهم وعبيدهم


(١) سورة الإسراء الآية ٥١
(٢) سورة الأنبياء الآية ٧١
(٣) سورة سبأ الآية ١٨
(٤) صحيح البخاري الجمعة (١١٨٩)، صحيح مسلم الحج (١٣٩٧)، سنن النسائي المساجد (٧٠٠)، سنن أبو داود المناسك (٢٠٣٣)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (١٤٠٩)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٢٣٤)، سنن الدارمي الصلاة (١٤٢١).