للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والقول بهذا مؤداه إلى إيجاب إسقاط التكليف جملة فإن التكاليف كلها شاقة ثقيلة، ولذلك سميت تكليفا من الكلفة وهي المشقة، فإذا كانت المشقة حيث لحقت في التكليف تقتضي الرفع بهذه الدلائل لزم ذلك في الطهارات والصلوات والزكوات والحج والجهاد وغير ذلك ولا يقف عند حد إلا إذا لم يبق على العبد تكليف وهذا محال (١).

قلت: الأصل وجود دلالة للقولين، ومن ثم فاتباع أحدهما اتباع للدليل، فإن ترجح أحدهما وجب الأخذ به، وإن تساوى الأمران في الدلالة فكما يقول ابن القيم: (يعمل عند اختلاف الطريقين أو الطبيبين أو المشيرين (٢)، فإن كان مقلدا اتبع أفقههما وأورعهما).

أما المجتهد فيقول القرافي: (إذا تعارضت الأدلة عند المجتهد أو تساوت وعجز عن الترجيح، هل يتساقطان، أو يختار واحدا منهم يفتي به؟ قولان للعلماء: فعلى القول الأول بأنه يختار أحدهما يفتي به له أن يختار أحدهما يحكم به مع أنه ليس أرجح عنده بطريق الأولى؛ لأن الفتيا شرع عام على المكلفين إلى قيام الساعة، والحكم يختص بالوقائع الجزئية، فإذا جاز الاختيار في الشراع العامة فأولى أن يجوز في الأمور الجزئية الخاصة، وهذا مقتضى الفقه والقواعد، وعلى هذا يتصور الحكم بالراجح وغير


(١) انظر الموافقات ج ٤ ص ١٤٩.
(٢) انظر إعلام الموقعين، ج ٤ ص ٢٦٤.