للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما من لم يقل بذلك فيقول الكفارة ليمين بالله اقترنت بالتحريم وقد قال بعض من استدل بالآية على أن التحريم يمين (من قال بأن النبي صلى الله عليه وسلم حلف مع الكفارة فقد قال ما لم يقله أحد) وقد روي البيهقي بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: «آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه وحرم فجعل الحلال حراما وجعل في اليمين الكفارة (١)».

وروي أبو داود مرسلا عن قتادة قال كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيت حفصة فدخلت فرأت معه فقالت في بيتي وفي يومي فقال «اسكتي فوالله لا أقربها وهي على حرام» وروي البيهقي مرسلا أيضا عن مسروق أنه قال «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلف لحفصة أن لا يقرب أمته وقال " هي على حرام» فنزلت الكفارة ليمينه وأمر أن لا يحرم ما أحل الله! (٢).

وأما قصة العسل وهي أشهر في سبب نزول الآية فروى البيهقي أن عبيد بن عمير قال سمعت عائشة تخبر «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلا فتواصيت أنا وحفصة أيتنا دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلتقل إني أجد منك ريح مغافير أكلت مغافير؟ فدخل على إحداهما فقالت ذلك له فقال بل شربت عسلا عند زينب ولن أعود له فنزلت إلى لعائشة وحفصة؛ لقوله: بل شربت عسلا (٦)» قال البيهقي رواه البخاري في الصحيح عن الحسن بن محمد ورواه مسلم عن محمد بن حاتم كلاهما عن حجاج قال البخاري وقال إبراهيم بن موسى عن هشام بن يوسف عن ابن جريج عن عطاء في هذا الحديث «ولن أعود له وقد حلفت فلا تخبري بذلك أحدا (٧)» قال ابن عبد البر: وقد روي «عن ابن عباس في تأويله قوله تعالى والله لا أشرب العسل بعدها، (٩)» فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد حلف بالله فالكفارة لليمين بالله، وهذا معنى قول عائشة فجعل الحلال حراما وجعل في اليمين الكفارة فلم تكن الكفارة إلا في اليمين بالله تعالى ولا يحتاج إلى الجواب عن الآية. انتهى المقصود.


(١) الاستدلال بهذا الحديث على اقتران التحريم في هذه القصة بيمين مردود لأمور: أ- أن الذي حرمه النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القصة إما العسل، وإما مارية القبطية والذي في هذا الحديث أنه حرم نساءه، ومارية ليست من زوجاته ولا هي جماعة. ب- أن الواقعة التي آلى فيها من نسائه قد اعتزل فيها نساءه شهرا وأمضى ما حلف عليه وعلى هذا لم يكن فرضا عليه أن يتحلل من يمينه بكفارة. ج- أن هذا الحديث من رواية مسلمة بن علقمة المازني عن داود بن علي عن عامر الشعبي عن مسروق عن عائشة مرفوعا، وقد خالفه في ذلك على بن مسهر وغيره عن داود عن الشعبي مرسلا، وعلي بن مسهر ومن شاركه في رواية هذا الحديث عن داود أوثق فكان وصل مسلمة له شاذا، قال أبو عيسى الترمذي: حديث مسلمة بن علقمة عن داود - رواه علي بن مسهر وغيره عن داود عن الشعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، وليس فيه - عن مسروق عن عائشة - وهذا أصح من حديث مسلمة بن علقمة. د- مسلمة بن علقمة المازني ضعفه غير واحد، ذكره العقيلي في الضعفاء، وقال له عن داود - مناكير، وما لا يتابع عليه من حديثه كثير، وذكر له ابن عدي أحاديث، وقال: وله غير ما ذكرت مما لا يتابع عليه وبذلك يكون وصله لهذا الحديث منكرا لمخالفته من أرسله من الثقاة.
(٢) ما ذكره من مرسل قتادة ومسروق لا حجة فيهما لمطلوبه - لما فيهما من الإرسال.
(٣) صحيح البخاري الطلاق (٥٢٦٧)، سنن النسائي الأيمان والنذور (٣٧٩٥)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٢٢١).
(٤) سورة التحريم الآية ١ (٣) {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَك}
(٥) سورة التحريم الآية ٤ (٤) {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ}
(٦) سورة التحريم الآية ٣ (٥) {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا}
(٧) صحيح البخاري الأيمان والنذور (٦٦٩١).
(٨) صحيح البخاري الأيمان والنذور (٦٦٩١)، صحيح مسلم الطلاق (١٤٧٤)، سنن النسائي الأيمان والنذور (٣٧٩٥)، سنن أبو داود الأشربة (٣٧١٤)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٢٢١).
(٩) سورة التحريم الآية ١ (٨) {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}