للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن قدامة: لا نعلم خلافا في صحة طواف الراكب إذا كان له عذر. . . إلى أن قال - فصل - فأما الطواف راكبا أو محمولا لغير عذر فمفهوم كلام الخرقي أنه لا يجزئ وهذا هو إحدى الروايات عن أحمد لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الطواف بالبيت صلاة (١)». ولأنها عبادة تتعلق بالبيت فلم يجز فعلها راكبا لغير عذر كالصلاة.

والثانية يجزئه ويجبره بدم، وهو قول مالك، وبه قال أبو حنيفة إلا أنه قال: يعيد ما كان بمكة فإن رجع جبره بدم لأنه ترك صفة واجبة من واجبات الحج فأشبه ما لو وقف بعرفة نهارا ودفع قبل غروب الشمس.

والثالثة يجزئه ولا شيء عليه اختارها أبو بكر وهي مذهب الشافعي وابن المنذر لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالطواف مطلقا فكيفما أتى به أجزأه ولا يجوز تقييد المطلق إلا بدليل ثم قال: فصل فأما السعي راكبا فيجزئه لعذر ولغير عذر لأن المعنى الذي منع الطواف راكبا غير موجود فيه. اهـ (٢).

وقال البهوتي (٣): ومن طاف أو سعى راكبا أو محمولا لغير عذر لم يجزئه الطواف ولا السعي لقوله صلى الله عليه وسلم «الطواف بالبيت صلاة (٤)» (ولأنه عبادة تتعلق بالبيت فلم يجز فعلها راكبا كالصلاة والسعي كالطواف والطواف أو السعي راكبا أو محمولا لعذر يجزئ لحديث ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن (٥)»، وعن أم سلمة قالت «شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي فقال: " طوفي من وراء الناس راكبة (٦)». متفق عليه. ولأن طوافه صلى الله عليه وسلم راكبا لعذر كما يشير إليه قول ابن عباس «كثر عليه الناس يقولون هذا محمد هذا محمد حتى خرج العواتق من البيوت، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا تضرب الناس بين يديه فلما كثروا عليه ركب (٧)». رواه مسلم، واختار الموفق والشارح يجزئ السعي راكبا ولو لغير عذر. اهـ.

مما تقدم يتبين أنه يجوز للحاج والمعتمر أن يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة راكبا لعذر باتفاق ولا شيء عليه - أما غير المعذور فله أن يسعى راكبا لكن المشي له أفضل، وفي طوافه راكبا خلاف فقيل يجزئه ولا شيء عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف طواف الزيارة راكبا، وقيل يجزئه وعليه دم جبرا، لأن الطواف له حكم الصلاة في الجملة، والمفترض لا يصلي محمولا، ولأن ركوبه صلى الله


(١) سنن النسائي مناسك الحج (٢٩٢٢)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٦٤).
(٢) المغني والشرح الكبير جـ٢ ص٤١٥.
(٣) كشاف القناع جـ٢ ص٤٣٣.
(٤) سنن النسائي مناسك الحج (٢٩٢٢)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٦٤).
(٥) صحيح البخاري الحج (١٦٠٨)، صحيح مسلم الحج (١٢٧٢)، سنن النسائي المساجد (٧١٣)، سنن أبو داود المناسك (١٨٧٧)، سنن ابن ماجه المناسك (٢٩٤٨).
(٦) صحيح البخاري كتاب الصلاة (٤٦٤)، صحيح مسلم الحج (١٢٧٦)، سنن النسائي كتاب مناسك الحج (٢٩٢٥)، سنن أبو داود المناسك (١٨٨٢)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٣١٩).
(٧) صحيح مسلم الحج (١٢٦٤).