للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن هنا نرى أن بلاغة الرسول الكريم وأسلوبه وقوة بيانه وشدة إتقانه وعلو شأنه في اللغة، هي المنح التي يهبها خالق الإنسانية لمن يختاره للسفارة إلى الإنسانية.

وكما عصمه الله من لدن طفولته من الرجس والدنس، وحفظه من شرور الجاهلية وآثامها، كذلك عدل لسانه، وقوم بيانه، وأرهف منطقه، وأفاض عليه من لدنه قوة بيان يستطيع بها أن يناضل عن دعوته، وينافح دون رسالته.

وبعد فهذه صورة رائعة مشرقة من صور بلاغة الهدى النبوي، تمثل لنا ما منحه الله لرسوله من فصاحة القول، وإعجاز البيان، وإصابة الرأي، وقوة الحجة، وبراعة الحجاج، والقدرة القادرة على النفاذ إلى القلوب، والإحاطة بدخائل النفوس، لاستلال ما يخامرها من ريب، أو يداخلها من خوف، حتى يعود لها صفاء الإيمان، وسكينة الرضا، وبرد اليقين:

خطب النبي- صلى الله عليه وسلم- في الأنصار عقب غزوة حنين، حينما بلغه أنهم ساخطون على قلة نصيبهم من الغنائم، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه.

«يا معشر الأنصار: ما قالة بلغتني عنكم، وجدة وجدتموها في أنفسكم؟ ألم آتكم ضلالا فهداكم الله، وعالة فأغناكم الله، وأعداء فألف بين قلوبكم؟

قالوا: بلى، الله ورسوله أمن وأفضل،

ثم قال: " ألا تجيبونني يا معشر الأنصار؟

قالوا: بماذا نجيبك يا رسول الله؟ لله ورسوله المن والفضل.

قال صلى الله عليه وسلم: أما والله لو شئتم لقلتم، فلصدقتم ولصدقتم، أتيتنا مكذبا فصدقناك، ومخذولا فنصرناك، وطريدا فآويناك، وعائلا فآسيناك أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم؟


(١) الحظ المراد به النصيب
(٢) قالة: مقالة يعني كلاما (١)
(٣) جدة بكسر الجيم من الموجدة يعني السخط والغضب (٢)
(٤) يعني الفقراء (٣)
(٥) بلى: جواب بمعنى نعم في جوانب الاستفهام المنفي (٤)
(٦) أمن: من المن وهو إظهار الفضل فهو صاحب النعم وله أن يمن بها وكذلك رسوله (٥)
(٧) عائلا: فقيرا محتاجا، آسيناك بمعنى ساعدناك (٦)
(٨) اللعاعة بضم اللام النبات الضعيف الصغير والمراد الشيء اليسير، وفي لعاعة أي بسبب لعاعة (٧)