للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وترجعوا برسول الله إلى رحالكم؟ فوالذي نفس محمد بيده، لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار، ولو سلك الناس شعبا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار ".

فبكى الأنصار حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا برسول الله قسما وحظا (٤)».

كان الأنصار من أهم أسباب نصر المسلمين يوم حنين، فقد انهزم المسلمون في بداية الموقعة، ولكن شجاعة الأنصار وسرعة التفافهم حول النبي - صلى الله عليه وسلم- أعادت إلى المسلمين تماسكهم وإقدامهم فتحقق النصر الكامل لهم. وبعد انتهاء المعركة قسم النبي الغنائم بين المسلمين، فإذا الأنصار أقل الناس نصيبا في حين أنهم كانوا يتوقعون أن يكونوا أعظم المسلمين حظا لما أبلوه وما حققوه من نصر، وعندئذ أخذت تسري همهمة قوية من الفتن والإشاعات بين الأنصار، كان مصدرها ثلاثة أمور:

١ - شباب الأنصار الذين لا يعرفون حكمة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأهدافه على حقيقتها فالنبي - صلى الله عليه وسلم - كان في كل الغنائم والهبات، يراعي أن المال ليس هدفا لذاته، وإنما هو وسيلة يستميل بها النفوس، ويتألف بها القلوب التي لم تعمر بالإيمان بعد، فكان يفيض من العطاء على ضعاف الإيمان، وعلى الذين دخلوا في الإسلام حديثا ليزيد قلوبهم ارتباطا بالدين، أما من يثق بإيمانهم فلم يكن يهتم بعطائهم قل أو كثر.

فراح هؤلاء الشباب يرددون فيما بينهم أنهم لم يأخذوا حقهم من الغنائم.

٢ - كان الأنصار يفزعون لمجرد تصورهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم- سيترك الإقامة في المدينة، وينتقل إلى موطنه الأصلي في مكة حينما يفتحها، وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- حينئذ قد فتح مكة، واتجه إلى الطائف حيث دارت معركة حنين، والمفروض أنه سيعود إلى مكة، فكان الأنصار يخشون كل الخشية أن يقيم فيها ولا يعود إلى المدينة، فحينما وجدوا نصيبهم من الغنائم قليلا قوي هذا الخوف في نفوسهم.


(١) وكلتكم: تركتكم (٨)
(٢) الشعب بكسر الشين الطريق في الجبل (١)
(٣) أخضلوا يعني بللوا بالدموع (٢)
(٤) القسم بفتح القاف وسكون السين العطاء ولا جمع له (٣)