للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلم يغفل عن ذريته لما منحه الله هذه الإمامة التي هي جعله قدوة وأسوة لمن بعده من الناس الذين هداهم الله للإسلام، فلما وعده ربه بهذه الإمامة لم يغفل عن ذريته؛ لحرصه على صلاحهم، وأهليتهم لأن يكونوا قدوة للناس في أمر الدين الصحيح. وهكذا حكى الله تعالى عنه دعاءه لربه بقوله: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} (١). فما غفل عن ذريته بل أشركهم مع نفسه في هذه الدعوة الصالحة، بأن يجعله مقيما للصلاة، محافظا عليها، وكذا ذريته؛ لما لها من أثر بليغ في صلاح الذرية واستقامتهم. وكل هذا دليل كمال الشفقة والرقة والرحمة للولد، ورجاء أن يستقيموا على الخير، ويسلكوا الصراط السوي المتمثل في إقامة الصلاة، وما تؤثره من ثمرات وأعمال صالحة.

وهكذا في مقام الخوف، فقد حكى الله تعالى عنه عليه السلام قوله: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} (٢). فلم يقتصر في طلب النجاة من الشرك على نفسه، بل أشرك بنيه، فطلب نجاتهم من عبادة الأصنام؛ لما رأى من ضلال الكثير- كأبيه وقومه- بعبادة تلك الأخشاب والأحجار التي ينحتونها، ثم يظلون لها عاكفين، تقليدا لآبائهم وأسلافهم. وهكذا مدح الله تعالى إسماعيل -عليه السلام- بقوله: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ} (٣). والأمر منه يستدعي


(١) سورة إبراهيم الآية ٤٠
(٢) سورة إبراهيم الآية ٣٥
(٣) سورة مريم الآية ٥٥