للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا وعيد شديد، وتهديد أكيد، لمن جلس مع الخائضين في آيات الله، والمستهزئين بها، حيث اعتبر من جلس معهم مثلهم، أي لإقراره وسكوته مع تمكنه من الإنكار، أو من مبارحة المكان، والبعد عن أولئك المستهزئين.

ولقد مدح الله تعالى عباده المؤمنين به حقا، الذين وعدهم بمضاعفة الأجر بقوله: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} (١). وقال تعالى: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} (٢).

ويدخل في اللغو الخوض في آيات الله بالباطل والسخرية بالأحكام، والتكذيب بالآيات، والطعن في القرآن ونحو ذلك، فكله من اللغو المنهي عنه، فمتى اشتملت المجالس على مثل ذلك، فإن العاقل الذي يريد نجاة نفسه يتركها، ويربأ بنفسه عن مجالسة أهلها، حتى لا يعلق به شيء من وضرهم ودنسهم، فيصعب التخلص منه.

وقد أمر الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام بمجالسة أهل الصلاح والإصلاح، والتمسك بالدين الصحيح، والمؤمنين بالله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وذلك في مثل قوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} (٣). وهؤلاء هم الذين أسلموا قديما، وفارقوا الكفار، وقاطعوهم، فأمر الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- بأن يصبر نفسه معهم، ولا ينظر إلى غيرهم نظرة إكبار


(١) سورة القصص الآية ٥٥
(٢) سورة الفرقان الآية ٧٢
(٣) سورة الكهف الآية ٢٨