المسلك الأول: ذهب بعض الفقهاء ومنهم الإمام مالك (١) إلى أن المقصود بالتحري في حديث ابن مسعود هذا هو الرجوع إلى اليقين؛ جمعا بين هذا الحديث وأحاديث البناء على اليقين المتقدمة.
المسلك الثاني: أنه يحمل حديث ابن مسعود هذا على من عنده ظن غالب فيتحرى؛ بأن يبني على غالب ظنه، وتحمل أحاديث البناء على اليقين المتقدمة على من لم يكن عنده ظن غالب يعمل عليه فيبني على اليقين وهو الأقل؛ جمعا بين الأحاديث.
ويبدو لي - والله أعلم - أن المسلك الثاني أرجح وأصوب؛ لأن فيه إعمالا لجميع الأحاديث، بينما المسلك الأول يجعل التحري هو البناء على اليقين، وهذا غير صحيح، فإن معنى التحري يختلف عن معنى البناء على اليقين، كما اتضح لنا في المباحث المتقدمة.
أدلة القول الثالث: استدل أصحاب القول الثالث بأدلة القول الأول وأدلة القول الثاني. أي: استدلوا بأدلة القول الأول التي تفيد البناء على اليقين وهو الأقل، واستدلوا بأدلة القول الثاني التي تفيد التحري بالبناء على غالب الظن.
وجه الاستدلال بهذه الأدلة وطريقة الجمع بينها: أنهم حملوا أحاديث القول الأول التي تفيد البناء على اليقين على من لم يكن عنده ظن غالب يعمل عليه، فيبني على اليقين وهو