متشاركان، وهذا ببدنه، وهذا ببدنه، وهذا بماله، كالمضاربة.
ولهذا كان الصحيح من قولي العلماء: أن هذه المشاركات إذا فسدت وجب نصيب المثل لا أجرة المثل، فيجب من الربح أو النماء إما ثلثه وإما نصفه، كما جرت العادة في مثل ذلك، ولا يجب أجرة مقدرة، فإن ذلك قد يستغرق المال وأضعافه، وإنما يجب في الفاسد من العقود نظير ما يجب في الصحيح، والواجب في الصحيح ليس هو أجرة مسماة، بل جزء شائع من الربح مسمى فيجب في الفاسدة نظير ذلك، والمزارعة آصل من المؤاجرة، وأقرب إلى العدل والأصول، فإنهما يشتركان في المغنم والمغرم، بخلاف المؤاجرة فإن صاحب الأرض تسلم له الأجرة والمستأجر قد يحصل له زرع وقد لا يحصل، والعلماء مختلفون في جواز هذا، وجواز هذا، والصحيح جوازهما.
وسواء كانت الأرض مقطعة أو لم تكن مقطعة، وما علمت أحدا من علماء المسلمين- لا أهل المذاهب الأربعة ولا غيرهم- قال: إن إجارة الإقطاع لا تجوز، وما زال المسلمون يؤجرون الأرض المقطعة من زمن الصحابة إلى زمننا هذا، لكن بعض أهل زماننا ابتدعوا هذا القول، قالوا: لأن المقطع لا يملك المنفعة، فيصير كالمستعير إذا أكرى الأرض المستعارة، وهذا القياس خطأ لوجهين:
أحدهما: أن المستعير لم تكن المنفعة حقا له، وإنما تبرع له المعير بها، وأما أراضي المسلمين فمنفعتها حق للمسلمين، وولي الأمر قاسم يقسم بينهم حقوقهم ليس متبرعا لهم كالمعير، والمقطع يستوفي المنفعة بحكم الاستحقاق كما يستوفي الموقوف عليه منافع الوقف وأولى، وإذا جاز للموقوف عليه أن يؤجر الوقف وإن أمكن أن يموت فتنفسخ الإجارة بموته على أصح قولي العلماء، فلأن يجوز للمقطع أن يؤجر الإقطاع وإن انفسخت الإجارة بموته أو غير ذلك بطريق الأولى والأحرى.
الثاني: أن المعير لو أذن في الإجارة جازت الإجارة مثل الإجارة في الاقطاع، وولي الأمر يأذن للمقطعين في الإجارة، وإنما أقطعهم لينتفعوا بها، إما بالمزارعة وإما بالإجارة، ومن حرم الانتفاع بها بالمؤاجرة والمزارعة فقد أفسد على المسلمين دينهم ودنياهم، فإن المساكن كالحوانيت والدور ونحو ذلك لا ينتفع بها المقطع إلا بالإجارة، وأما المزارع والبساتين فينتفع بها بالإجارة وبالمزارعة والمساقاة في الأمر العام، والمرابعة نوع من المزارعة، ولا تخرج عن ذلك إلا إذا استكرى بإجارة مقدرة من يعمل له فيها، وهذا لا يكاد يفعله إلا قليل من الناس، لأنه قد يخسر ماله ولا يحصل له شيء، بخلاف المشاركة فإنهما يشتركان في المغنم والمغرم، فهو أقرب إلى العدل، فلهذا تختاره الفطر السليمة، وهذه المسائل لبسطها موضع آخر.
والمقصود هنا أن ولي الأمر إن أجبر أهل الصناعات على ما تحتاج إليه الناس من صناعاتهم كالفلاحة والحياكة والبناية فإنه يقدر أجرة المثل، فلا يمكن المستعمل من نقص أجرة الصانع عن