من الاختصار هو تيسير الحفظ، فإن المتعلم في مراحله الأولى يكون الحفظ أيسر عليه من الفهم، ويكون في الفهم صعوبة عليه، لذا ينبغي أن يراعى في بناء الشخصية العلمية للمتعلم هاتان الناحيتان، مع الاتزان والاعتدال فيهما.
وأوضح دليل على هذا إطباق علماء الأمصار في العصور المختلفة على تحفيظ القرآن للأطفال، وإن كانوا لا يفهمون شيئا من معانيه، فضلا عن أحكامه؛ لأن هذا الحفظ سيكون تأسيسا للمرحلة القادمة من الفهم والاستنباط.
أما ياقوت الحموي فربما كان أشد المانعين من الاختصار، حيث إنه يأخذ عهدا على من يستفيد من كتابه أن لا يغير فيه، ولا يختصره، فإن لم يقبل كان عاقا مخالفا له والله حسيبه.
قال في مقدمة كتابه (معجم البلدان): (ولقد التمس مني الطلاب اختصار هذا الكتاب مرارا، فأبيت، ولم أجد لي على قصر هممهم أولياء ولا أنصارا، فما انقدت لهم ولا ارعويت، ولي على ناقل هذا الكتاب والمستفيد منه أن لا يضيع نصبي، ونصب نفسي له وتعبي. . . باقتضابه واختصاره).
ثم يقول:(فإن أجبتني فقد بررتني جعلك الله من الأبرار، وإن خالفتني فقد عققتني، والله حسيبك في عقبى الدار).
وقال: (ثم اعلم أن المختصر لكتاب كمن أقدم على خلق سوي، فقطع أطرافه، فتركه أشل اليدين، أبتر الرجلين، أعمى العينين، أصلم الأذنين، أو كمن سلب امرأة حليها فتركها عاطلا، أو كالذي