للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

باكين فلا تدخلوا عليهم لا يصيبكم ما أصابهم (١)»، وفي رواية: «أن يصيبكم (٢)». قال ابن حجر - رحمه الله -: " أي خشية أن يصيبكم، ووجه هذه الخشية أن البكاء يبعث على التفكر والاعتبار، فكأنه أمرهم بالتفكر في أحوال توجب البكاء من تقدير الله تعالى على أولئك بالكفر مع تمكينه لهم في الأرض وإمهالهم مدة طويلة ثم إيقاع نقمته بهم وشدة عذابه، وهو سبحانه مقلب القلوب، فلا يأمن المؤمن أن تكون عاقبته إلى مثل ذلك، والتفكر أيضا في مقابلة أولئك نعمة الله بالكفر وإهمالهم إعمال عقولهم فيما يوجب الإيمان به، والطاعة له، فمن مر عليهم ولم يفكر فيما يوجب البكاء اعتبارا بأحوالهم فقد شابههم في الإهمال، ودل على قساوة قلبه وعدم خشوعه، فلا يأمن أن يجره ذلك إلى العمل بمثل أعمالهم فيصيبه ما أصابهم " (٣).

وقد روى الإمام مسلم في صحيحه هذا الحديث في باب النهي عن الدخول على أهل الحجر إلا لمن يدخل باكيا.

قال النووي - رحمه الله -: " فيه الحث على المراقبة عند المرور بديار الظالمين ومواقع العذاب، ومثله الإسراع في وادي محسر؛ لأن أصحاب الفيل هلكوا هناك، فينبغي للمار في مثل هذا الموضع المراقبة


(١) رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب، رقم الحديث ٤١٥، ورواه مسلم كتاب الزهد والرقاق، باب لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، رقم الحديث ٥٢٩٢.
(٢) صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (٣٣٨٠)، صحيح مسلم الزهد والرقائق (٢٩٨٠)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ١١٧).
(٣) ابن حجر، فتح الباري، ج١، ص ٥٣١.