للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوجه الثاني: أن سبب رد شهادة القاذف هو ما كان متصفا به من الفسق بسبب القذف، فإذا زال الفسق بالتوبة قبلت شهادته، لزوال المانع (١).

الوجه الثالث: أن هذه الآية نزلت في أصحاب الإفك الذين قذفوا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وقد أقام عليهم النبي صلى الله عليه وسلم حد القذف. ولم يرد النبي صلى الله عليه وسلم شهادتهم، ولا المسلمون بعده؛ لأنهم تابوا.

فإذا قبلت شهادة الذين قذفوا أم المؤمنين التي برأها الله بكلامه الذي أنزله من فوق سبع سماوات، فشهادة غيرهم ممن قذف غيرها أولى بالقبول (٢).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت ٧٢٨ هـ): (وقوله تعالى: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} (٣) فهذا نص في أن هؤلاء القذفة لا تقبل لهم شهادة أبدا، واحدا كانوا أو عددا؛ لأن الآية نزلت في أهل الإفك باتفاق أهل العلم والحديث والفقه والتفسير، وكان الذين قذفوا عددا. . . ودلت أيضا على أن شهادته بعد التوبة مقبولة، كما هو مذهب الجمهور، فإنه كان من جملتهم مسطح بن أثاثة (ت ٣٤ هـ)، وحسان ابن ثابت (ت ٥٤ هـ)، كما في الصحيح عن عائشة (ت ٨٥ هـ)،


(١) الحاوي للماوردي (١٧/ ٢٧).
(٢) مجموع فتاوى ابن تيمية (١٥/ ٣٥٣، ٣٥٤).
(٣) سورة النور الآية ٤